ستتوفر في الأسواق قريبا ازهار بالروائح التي تحبها، فقد اعلنت ناتاليا دوداريفا الاستاذة المساعدة في جامعة بوردو / انديانا انها اكتشفت كيف تصنع النباتات المواد العطرية، وهي تأمل بأن تتمكن من تعديل التركيب (الجيني الوراثي) للنباتات لجعلها تنتج ازهارا بروائح مرغوبة او قوية.
وتقول أن برامج التكثير المكثفة للأزهار جعل قوة روائحها تتناقص مع الزمن. وتوضح بأن المختصين في مجال تكاثر النباتات ركزوا جهودهم حتى الآن في صفات مثل الحجم واللون وطول فترة النضارة والحيوية، ولم تكن روائح الأزهار هامة بالنسبة لهم، مما جعلها الأكثر تضررا من هذه البرامج ولم يدرك المختصون ذلك او كيف حصل.
اكتشفت دوداريفا أن الروائح تنتج من مرکبات متطايرة (زيوت عطرية تتبخر في الجو الدافيء). وتتنوع اعداد انواع هذه المركبات في الازهار المختلفة على نحو كبير.
وتقول دوداريفا انها وفريق البحث العامل معها بدأوا بدراسة نبات السمكة (انف العجل) snapdragon الذي تنتج رائحته من سبعة مركبات متطايرة فقط، مما جعلها من اكثر الروائح بساطة في التركيب وسهولة في الدراسة.
وللمقارنة، فانه في الطرف الآخر من تدرج تعقيد تركيب المواد العطرية، تنتج رائحة الأوركيد (السحلبية) Orchid من اكثر من مئة مركب مختلف. وتقول دوداريفا ان لكل نبات (توقيعا) خاصا متعلقا برائحته، وما نقوم به هو البداية في تعرف تواقيع روائح النباتات المختلفة. وعند توصلنا إلى ذلك، سنتجه الى معرفة الشيفرة الجنينية الموجهة لصنع هذه المركبات وآلية عملها بالضبط.
دوداريفا الروسية المولد، التي تدرس الروائح ، عملت في جامعة ميتشيغان وأسست اول مختبر في العالم خاص بالروائح والعطور، ويأتي الآن مختبرها الثاني من النوع نفسه في بوردو. وقد توصلت مع مساعديها حتى الآن الى انتاج عدة مركبات طيارة في المختبر وبكميات قليلة، ويتطلعون للبدء قريبا بانتاج عطور اصطناعية لا توجد حاليا. والهدف النهائي لهم تغيير التركيب الجيني للنباتات لجعلها تنتج – بصورة طبيعية – عطورا لم تكن تنتجها وليست موجودة حتى الآن في الطبيعة.
اضافة الى العمل على تغيير كميات المركبات الكيميائية الداخلة في تكوين كل رائحة عطرية طبيعية، بحيث يمكن تغيير طبيعة هذه الروائح حسب الرغبة.
وتقول دوداريفا: ما لا يمكننا عمله في المستقبل القريب جعل النبات يصنع مركبات عطرية جديدة، ولكن هذا ليس بالامر الهام في عملنا الحالي، ما دام لدينا اكثر من مئة مركب عطري يمكن التحكم في مقادير انتاجها في المادة العطرية الواحدة، بحيث نحصل على تنوع كبير جدا في الروائح الطبيعية.
وتقول ان احد المجالات الواعدة جدا في عملنا وذات السوق الكبيرة، انتاج ازهار بروائح علاجية، ففي سوق النباتات الطبية الواسع جدا والمتنامي سيمكننا مثلا انتاج ازهار يضعها الانسان في مكتبه لتعطيه رائحة تجعل اعصابه هادئة طوال الوقت. وحيث اننا اتجهنا منذ فترة إلى البحث في هذا المجال، فاننا نتوقع التوصل الى انتاج اول نباتات ذات ازهار تفيد روائحها في المعالجة الطبية في غضون سنة من الآن.
مجال آخر للاستفادة من هذه الأبحاث، التحكم في معدلات عمليات التلقيح والإخصاب في النباتات. وحيث ان معظم عمليات التلقيح في النباتات تعتمد على الروائح الجاذبة للحشرات، لذا سيمكننا بتغيير هذه الروائح او تغيير شدتها التحكم في معدلات تلقيح الازهار. ومن ذلك مثلا جعل النباتات التي تكثر في دول العالم الثالث ويعتمد عليها في الغذاء مثلا، ذات رائحة جاذبة قوية، مما ينشط عمليات التلقيح والإخصاب فيها لتعطى انتاجا اغزر وأسرع. وسيكون ممكنا بالمقابل جعل النباتات غير المرغوب فيها تنتج روائح تعيق عمليات التكاثر فيها.
اعمال الباحثة دوداريفا اعطت نتائج اخرى ايضا، اذا توصلت ومساعديها الى اكتشاف أن نبات السحلية ينتج الكثير من المواد العطرية على مدار ساعات اليوم، وان النباتات تتفاهم مع بعضها عن طريق الروائح التي تنتجها، فاذا اصاب فيروس نباتا ما، فان النبات ينتج رائحة خاصة يحذر من خلالها النباتات المجاورة له، لتستعد المقاومة غزو الفيروس باستنفار اجهزتها الدفاعية.