الدكتور مصطفى شقيب
في يوليو 2011، قتل انديرس برايفيك، 77 شخصا على جزيرة اوتوي بالنرويج. وقد أثارت محاكمته التي بدأت في ابريل 2012 إعادة بروز مسألة آثار ألعاب الفيديو في الإعداد والتحريض على مثل هذه الأفعال.
فقد أكد هذا المختل أنه قضى وقتا طويلا في لعب لعبة”modern walfare” أحد ألعاب الرماية الأكثر مبيعا في العالم، الذي يصفّي فيه اللاعب أشخاصا بشكل واقعي عبر التزود بمختلف الأسلحة.
هل لألعاب الفيديو العنيفة دور في عمليات التنفيذ هذه؟
سيكون من الخطأ الاكتفاء بشهادات اللاعبين سواء كانوا مجرمين أم لا.
أي رباط بين عنف ألعاب الفيديو وسلوكيات العدوانية؟
الرائج أن أرباب صناعة الفيديو -بأرباح حقيقية 70 مليار يورو عام 2011 يلقون باللوم على الآباء-الذين عليهم مراقبة أبناءهم بشكل أفضل – جاعلينا تعتقد أن المشكل إن كان، فهو راجع ليس إلى البرمجيات ولكن إلى الأشخاص الذين لديهم اضطرابات نفسية والذين يفسدون اللعبة!
أين نتعلم القتل؟
قضية برايفيك تدعو إلى مساءلة المعطيات العلمية المتاحة من أجل الإجابة على السؤالين التاليين:
هل مكن استخدام الأسلحة الافتراضية المختل من اكتساب دقة تصويب عالية؟
وهل ممارسة ألعاب الفيديو تمثل حافزا للقيام بالتنفيذ ؟
الجواب بنعم عموما على السؤال الأول.
في دراسة حديثة أنجزها براد بوتمان وجودي ويتاكير، من جامعة أوهايو، كان مشاركون يلعبون خلال 20 دقيقة لعبة عنيفة شملت أهدافا واقعية جدا. (resident evil4)
كان اللاعب يحصل على نقاط إضافية إذا أسقط الأعداء عبر التصويب على الرأس. مشاركون آخرون كانوا يلعبون لعبة رماية تضمنت أهدافا مكونة من دوائر ولعبة دون رماية.
مستخدمين أداة مسدسا، مباشرة بعد اللعب، كان عليهم رمي 16 رصاصة على مجسمات لها شكل بشري بعيدة ب 6 أمتار بواسطة مسدس تدريب قياس 43.
بينت النتائج أن الذين لعبوا لعبة الرماية بالمسدس الجهاز كانت رمايتهم أكثر دقة، وكانوا يصيبون رؤوس المجسمات إضافة إلى ذلك، الأشخاص الذين كانوا يلعبون عدد مرات أكثر ويصوبون جيدا.
السؤال الثاني. هل تحرض الألعاب الإلكترونية على العنف ؟
تم انجاز ثلاثة إجراءات من أجل الإجابة على هذا السؤال ؛ في الأولى ،ثم وضع أشخاص أمام شاشة يلعبون لعبة فيديو عنيفة حوالي 20 دقيقة – آخرون يلعبون، في ظروف مطابقة، ألعاب فيديو ذات مضمون محايد. ثم نعلم على مقارنة سلوكيات تهم العدوانية. وقد حرص الباحثون على توحيد عناصر الألعاب من حيث درجة الصعوبة، أو الإثارة أو الإحباط حتى يتسنى ربط الاختلافات الخاصة الملاحظة بدرجة العنف الساري. الفرق السلوكي بين الأشخاص من المجموعتين هو راجع إذن مباشرة إلى نوع اللعبة الممارسة.
تمثلت الطريقة الثانية في جمع معلومات حول السلوكيات العدوانية لعدد من الأشخاص، وحول نوع ألعاب الفيديو التي يمارسونها (عبر سؤالهم ومحيطهم أيضا، مدرسيهم…) وحول معدل الأوقات التي يقضونها في اللعب. وعبر تقييم مختلف العوامل، نتأكد من تطابق الفرضية والنتيجة.
وأخيرا، طريقة ثالثة شملت جمع معلومات مرات عدة لدى الأشخاص أنفسهم خلال بضعة شهور.
وبهذا تحدد، ليس فقط إن كان يوجد ربط بين ألعاب الفيديو والعدوانية، لكن أيضا كيف يمكننا تفسيره. فإذا ما لاحظنا أن شخصا يلعب ألعاب فيديو في لحظة معينة وان أفعاله العنيفة زادت في السنة الآتية، يمكننا افتراض أن ألعاب الفيديو هي السبب (بغض النظر عن درجة العدوانية التي تم قياسها في البداية).
اليوم، تبين العديد من الأبحاث أن هذه الطرق تعطي نتائج متوافقة.
ألعاب الفيديو العنيفة تؤثر على اللاعبين، ذوي الأفكار والعواطف والسلوكيات العنيفة، سواء على المدى القصير أو على المدى البعيد.
وقد أكملت هذه الدراسات بأبحاث التصوير العصبي التي تكشف أن ممارسة ألعاب الفيديو في المختبر يجعل الشخص أقل حساسية تجاه العنف ويثبط السلوكيات العنيفة.
ولا يتعلق الأمر بأبحاث معزولة . في بيئة أو مكان خاص. ففي العام 2010 ، نشر العالم النفساني كريغ أندرسون خلاصة أبحاث علمية مستقلة حول تأثير بعض ألعاب الفيديو في كل إنحاء العالم. 136 عينة جمعت 1300 شخصا،تؤكد هذه الخلاصة حقيقة آثار ألعاب الفيديو هذه على اللاعبين.
وهكذا الموقف تتبناه هيئات علمية مرقومة مثل: الجمعية الأمريكية لعلم النفس والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال.
ولا يعني طبعا أن لعبة الفيديو قد تخلق قتلة ، لكن تقترح أن أشكال العنف اللفظي والمادي اليومية تتأثر بالعاب الفيديو، بعض النظر عن السمات النفسية الأولى للاعبين.
لا أخلاقية صناع الألعاب
برغم الدلائل ، يصر صانعوا الألعاب هؤلاء على التشبث برأي أشباه المختصين القائل بان ألعاب الفيديو لا تجعل الشخص عدوانيا ، وان الأبحاث العالمية لم تنجز بشكل جيدا لهذا السبب أو ذاك . مضيفين بتبجح شبه علمي أن الألعاب تنزع من اللاعبين العنف والعدوانية!
ويذكر موقف صناع ألعاب الفيديو المتمثل في إنكار الحقائق العلمية بموقف صناع التبغ الذين أكدوا لمدة طويلة أن الآثار الضارة لمنتجاتهم ما هي إلا دخان!
chaqib@yahoo.fr
المرجع:
Cerveau – Psycho 52 – Juillet-Aout 2012