مختبرات التحاليل الطبية بين الماضي والحاضر

لا يوجد مجال من مجالات الطب، وصل الى مكانه الحالي بالسرعة التي وصلت فيها التحاليل الطبية المخبرية، فبعد ثلاثين عاما فقط من التطور. احتل التشخيص المخبري مكانا هاما في الطب وأصبح جزءا من التشخيص والمعالجة، لا يستغني عنه اي طبيب، وبالرغم من ان تعبير «مختبر التحاليل الطبية» قد جاء الينا من القرن الماضي الا ان اسس هذا النظام تعود الى مئات السنوات.

لمحة تاريخية

إن حلم الانسان في تفسير الظواهر الطبيعية وفوق الطبيعية قديم قدم الانسانية وكانت الكيمياء بدون جدل، اول علم حاول سبر أغوار الجسم البشري ويعود جذور هذا العلم الى الطبيب الروماني الشهير جالینوس الذي عاش في برجامون حوالي 200 ق.م.

الا ان تبلور الكيمياء الى علم كغيره من العلوم كان في الهند حوالي عام 300 م. ولقد ساهم العلماء والأطباء العرب منذ عام 1300م، في استخدامه في الطب والمعالجة.

ويعود أصل الكيمياء الى السيمياء، ذلك العلم الذي اعتمد الفلسفة والدين في محاولة تفسير طبيعة المواد المختلفة وعلاقاتها ببعضها البعض ولم تظهر الكيمياء كعلم متميز من فروع العلوم الطبيعية الا من القرن السابع عشر. ومنذ ذلك الحين بدأ العلماء يستخدمون القوانين الكيميائية لتفسير العمليات الحيوية الطبية.

ان تطور الكيمياء الطبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان مترافقا دوما بتطور الطرق التشخيصية. وهكذا فان فحص البول الحواسي الذي بدأ في حوالي عام ۱۰۰۰م في الاسواق أصبح في القرن الرابع عشر دليلا مرضيا هاما، ولم يمض القرن الثامن عشر حتى قام الأطباء بتحري السكر والبروتين في البول.

المختبرات الطبية في مطلع القرن العشرين

كان المختبر الطبي في اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، يتألف من مجهر، و مصباح كحولي، وعدد من انابيب الاختبار وبعض الكواشف الكيميائية. وبهذه الادوات استطاع العاملون انذاك التحري من السكر والبروتين في البول، ومعرفة فيما اذا كان تفاعله حمضيا او قلويا. ورغم ذلك، فان هذه المختبرات، التي وجدت في البداية في عدد قليل من المشافي، كانت بالنسبة للتشخيص المخبري الخطوة الأولى في طريق حافل بالنجاح وبدونها لم يتسن للأطباء استخدام المصول الدموية علاجيا، وتحضير المصل الشافي ضد الدفتيريا، او الشطر الخمائري للدسم ولم يكن لأبحاث الفيتامينات والجينات هذا النجاح الحالي.

الا ان هذه المخابر الصغيرة، كانت نفسها حصيلة اعمال علمية كبيرة ككتاب السيمياء لمؤلفه ليباريوس عام 1595 م وكتاب العناصر الكيميائية لمؤلفه بورهاف عام ۱۷۳۲ والی اختراع المجهر وفوق المثقلة وغيرها.

المخبر الطبي في العصر الحديث

في الخمسينات، كانت عيادات الطب العام تحتوي على مخبر صغیر، مجهز بمجهر، ومثقلة يدوية او كهربائية وبعض الادوات اللازمة لفحص الدم والبول والبراز كمصباح لهب بنزن، جهاز تثقل الدم ، انابيب اختبار صفائح وساترات مجهرية وكان الطبيب يقوم بالفحوص بنفسه الا ان الازدياد الكبير في اهمية التحاليل وازدياد العمل في المخابر دعى الاطباء الى الاستعانة بالممرضات والمساعدات الفنيات.

ومن التحاليل التي كانت تجري في عيادة طبيب الطب العام:

١- في البول:

– الخواص الحسية كاللون، والرائحة، والشفافية.
– التفاعل الحمضي او القلوي بواسطة ورق عباد الشمس.
– قياس الكثافة
– الفحص الكيفي للبروتین
– فحص السكر.

۲- في البراز:

– التحري الحواسي عن الدم في البراز والناجم عن اسفل الامعاء الغليظة.
– التحري عن النزف الكامن.

٣- في الدم:

– تعیین مقدار الهيموغلوبين.
– تعداد الكريات الحمراء.
– تعداد الكريات البيض.
– تعيين سرعة تثقل الكريات الحمر.

اما الفحوص الجرثومية فكانت تجري على مستحضرات من البول والبصاق وما تعدى ذلك من الفحوص، فكان يرسل الى مختبرات المستشفيات.

ويحتوي مختبر طبيب الأمراض الداخلية على اجهزة وادوات اخرى يستطيع القيام باختبارات اضافية مثل :

– معايرة سكر الدم.
– المعايرات اللونية
– الهيموغلوبين وسكر الدم وحمض البول.

وذلك فيما اذا توفرت الطرق والكواشف المناسبة، الا ان استعمال الطرق اللونية في المعايرات الكمية لا يخلو من الخطأ نظرا لكون العين البشرية ذات حساسية ضئيلة تجاه الفروق الضئيلة بالالوان ولقد حلت الاجهزة الكهربائية محل العين في قياس شدة اللون.

الا ان استعمالها اقتصر في الخمسينات على مخابر المشافي، ولم تدخل العيادات الطبية الا في بداية الستينات.

كما ظهرت منذ عام 1944 كواشف خاصة للتحليل الكيفي للبول وكانت في البدء عبارة عن اقراص جاهزة للاستعمال تطورت فيما بعد الى شرائح ورقية سهلة الاستعمال والتطبيق. واخذت هذه الشرائح تدخل الكثير من المختبرات حتى انها اصبحت تشكل اليوم قاعدة التحليل المخبري الكيفي ومنذ ادخال الطرق الالكترونية في الاجهزة المخبرية مع بداية السبعينات اخذت المختبرات تتجه اتجاها جديدا من حيث تجهيزها.

ويصنف الخبراء المختبرات كما يلي:

مختبرات صغيرة (المستوى الاول)

وتحتوي على مثقلة مخبرية، جهاز امتصاص ضوئي صغير، جهاز تعیین الهيماتوكريت، مجهر، شرائح وأعواد الفحص. وتوجد هذه المختبرات في عيادات الأطباء الممارسين.

مختبرات متوسطة الحجم (المستوى الثاني)

وتحتوي هذه المخابر على اجهزة الطيف اللوني واجهزة قياس تخثر الدم، وعلى حاضنات جرثومية، وصاد
موصل.

مختبرات كبيرة (المستوى الثالث)

وهي عبارة عن معاهد تحلیل او مختبرات ملحقة بالمستشفيات.

ولقد بدأت مختبرات المستوى الثاني تلعب دورا كبيرا عند التخطيط لإنشاء المختبر مما يدعو الى انشاء برنامج تحليلي خاص بهذه المستويات.

والأجهزة الواجب توفرها تتعلق بالطبع بنوع التحاليل المتوقع اجراؤها وتضم بالإضافة الى التجهيزات المخبرية العامة العناصر التالية على الاغلب:

– جهاز طيف الامتصاص اللوني
– جهاز امتصاص ضوئي صغير.
– مثقلة مخبرية.
– مثقلة للهيماتوكريت
-اجهزة كمديد واجهزة اخذ العينات.
– مجهر
– اجهزة تسجيل عند تحديد الصيغة الدموية التفاضلية
– خزانة لعينات الدم.
– ثيرموستات معلق
– جهاز قياس سرعة التثقل الدموي.

د. عبدالعزيز حسن مسعود
اختصاصي مختبرات طبية

مصدر الصورة
pixabay.com

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

تطور الأدمغة الاصطناعية التي تحاكي الدماغ البشري

شهد مجال الأدمغة الاصطناعية تطورات هائلة منذ عام 2012، حيث قطع العلماء والباحثون خطوات متقدمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *