شخصية الانسان السوية ومقوماتها

تتكون الشخصية Personality من سلوك الإنسان وانفعالاته جميعها وهي محصلة لعادات الإنسان وسلوكه في تكيفه مع نفسه وبيئته. يعرف واطسون الشخصية قائلاً “الشخصية هي النتاج النهائي لمجموعة العادات التي تميز الإنسان”.

يقول ميشيل مان (1994م) الشخصية “تعني حرفيا مجمل الخصائص المميزة لشخص ما. أما الاستعمال الغالب لهذا المفهوم في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي فهو أكثر تخصيصا: إنه إبراز للخصائص المستقرة نسبيا لدى الأفراد تلك التي تكمن تحت الفروق الفردية في السلوك، ويمكن أن يستخدم لتنبؤ بها أو تفسيرها”.

تحرص اليونسكو على أن تؤكد على أن “للمدرسة وظيفة مزدوجة. فهي لا تكتفي بالبحث عن قابليات التلاميذ وإمكاناتهم لتدريبها، بل تنمي قبل كل شيء شخصياتهم وتغرس في نفوسهم الاتجاهات والمواقف السوية المحببة” ، ويؤكد خبراء التربية على أن التربية الشخصية تتأثر بالناحية الجسمية والمرحلة العمرية .

الشخصية السوية شخصية متنامية منذ الصغر حيث تكبر وتتشكل باختلاف الأشخاص والظروف ومع المراحل العمرية قد تتغير بعض السمات حسب طبيعة المرحلة إذ أن مرحلة الشباب مختلفة عن الطفولة والشيخوخة.

الشخصية السوية المتزنة انفعالياً والواعية عقلياً لها عدة مقومات وملامح منها:

التميز.
التفاؤل.
الاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين.
الاستعانة بالله عز وجل واتباع تعاليمه.
ضبط النفس ساعة الغضب.
الإحسان في استخدام اللغة المنطوقة والرمزية. “لكي تكون شخصية اجتماعية مرموقة لا بد لك من فحص كلامك وبعض حركاتك وبعض تصرفاتك مع الآخرين” .

ومن العوامل المساعدة على تنمية شخصية المرأة:

تصحيح تصور المرأة عن نفسها أولاً ثم تصحيح تصورات المسلمين عن شخصيتها ثانياً فهي شخصية سوية ليست كما يتصور البعض إما ساذجة بلهاء تخدعها كلمة حلوة وإما خبيثة ماكرة.

أداء الواجبات وممارسة الحقوق التي قررها الإسلام ، الكثير من الحقوق تأخذها المرأة أحيانا وكأنها هبات وصدقات وامتيازات يسحبها الرجل في أي لحظة يشاء ومن غير تبرير.
الاستفادة من التجارب النسائية النافعة أينما كانت.

تفعيل دورها الشامل في تعمير الأرض لتترك بصمة حضارية ولتعيش متعلمة ومعلمة في محيط أسرتها ومجتمعها.

التأكيد على ممارسة حق الاختيار في شئونها الخاصة واستقلالها في قراراتها المصيرية.
لا بد للمرأة من تميز يليق بجمال أنوثتها فلا تترك رداء الحياء، ولا تنزع ثوب التقوى، ولا ترمي تاج الاحتشام ففي التميز عزة ما بعدها عزة.

اختلاف المرأة عن الرجل عاطفيا وجسديا لا يعني أبداً تدني مكانة واحد من الطرفين بل الاختلافات نعمة تستدعي التكاتف لا التصادم.
نقد المواقف الغير مقبولة نقداً حكيماً.

مقومات الشخصية المسلمة

الأخلاق نوعان: ما هو فطري يولد به الإنسان غريزة، وما هو مُكتسب من البيئة. روى البخاري فقال: “حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ” (كتاب الجنائز).

وفي سنن أبي داود أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال للأشج “إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأنَاةُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ” (كتاب الأدب). الأشج هو منذر بن عائذ وقيل بن عامر. (الحلم) أي العقل (والأناة) التثبت وعدم العجلة.

روي الإمام أحمد في مسنده :” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسُ مَعَادِنُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسْلامِ إِذَا فَقِهُوا”(باقي مسند المكثرين).

وصف القرآن الكريم أخلاق المجتمع المسلم فقال تعالى: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (35) (سورة الأحزاب).

وكذلك نجد مقومات الشخصية المسلمة في مثل هذه الآيات: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) (سورة المؤمنون).

‏ قال سبحانه “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)” (سورة الأعراف) “هذه الآية “تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات. فقوله: “خذ العفو” دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله: “وأمر بالعرف” صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار. وفي قوله: “وأعرض عن الجاهلين” الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة” (الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي في سورة الأعراف).

المسلم متميز وليس نسخة من غيره فإن “الاستنساخ” أو التقليد الأعمى للآخرين فيه إلغاء للعقل. ذكر الترمذي في سننه “عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. (كتاب البر وحُسن الصلة).

ومن ثمار التميز أن يترك الإنسان بصمة صالحة وسيرة حسنة بعد مماته فالإنسان الذي يترك أثراً صالحاً بعد مماته يظل ذكره حياً وكما قال الرافعي “إذا لم تزد شيئاً على الدنيا كنت أنت زائداً على الدنيا”. فكم من إنسان عاش ومات ولم يكن شيئاً مذكوراً في سجل العطاء لأنه لم يترك بصمة صالحة على أبنائه وفي مجتمعه وكم من أُمة عاشت وماتت فلم تترك أثراً صالحاً فلم يُخلد التاريخ الإنساني ذكرها.

الشخص الناجح يعلم أن الفشل لا يعيش مع نبضات ودفعات الأمل والعمل. ليس العيب في أن يقع الإنسان ولكن من الخطأ أن يظل المرء في سقوطه دون أن يقف مرة أخرى ويستفيد من حادثة وقوعه. إن الخطأ دليل العمل والعمل طريق الإتقان ومن لا يرتكب الخطأ لا يصنع شيئاً نافعاً. إن الطريقة السليمة للنجاح دائماً تكمن في أن لا نستسلم للفشل والتشاؤم أبداً. إن التعلم والتطلع الطموح لمستقبل أفضل روح الحياة ولا سعادة في حياة مليئة بالقنوط واليأس والتعاسة.

التفاؤل أساس سعادتنا ولا علاج نفسي أو بدني يتم تحقيقه من غير التفاؤل. إذا ظن المرء أن في جسده مرض لا يمكن دواؤه ولا يُرجى شفاؤه فلن يتماثل للشفاء.

إن الدواء قد نحتاجه أحياناً ولكن حسن الظن نحتاجه دائماً فحياة المرء مع دفعة الأمل ووثبة العمل تكتمل. نقصد بالأمل هنا إرادة صادقة ويقين بقدرتنا على تحقيق الهدف.

إذا تأملنا السيرة النبوية نجد النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش حياة الأمل والتفاؤل عملياً فعندما قال له أبو بكر رضي الله عنه لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، أجابه: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما”. وجاء في الحديث النهي عن وصف الناس بالسوء لأنه ظلم وتشاؤم وتكبر: “إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُو أَهْلَكَهُمْ”. يحمل المعلم معه الأمل في إمكانية التغيير للأحسن ولا يحبط الناس. عن علي رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يؤيس الناس من رحمة الله ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى، ألا لا خير في عمل لا فقه فيه، ولا خير في فقه لا ورع فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها … (كنز العمال للمتقي الهندي المجلد العاشر، آداب العلم).
تُثبت الدراسات حديثاً أن الحالة النفسية والاعتقاد الإيجابي من أهم عوامل العلاج وأحياناً هو أهم من الأدوية نفسها .

الإسلام دين قيم ومبادئ وأهمها حب الخير للخير فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” (رواه البخاري، كتاب الإيمان). ولقد جاء في الإنجيل كما دونه لوقا “وبمثل ما تريدون أَن يعاملكم الناس عاملوهم أنتم أيضا”. المسلم مطالب شرعاً بأن يكون خيّراً للناس جميعا وليس للمسلمين فقط. قال الترمذي: “عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ” (كتاب البر والصلة). تهتم الشخصية المسلمة بالمواظبة والمداومة والمتابعة للأعمال التي تتطلب ذلك. وفي الحديث الشريف “أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى الله أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ”. وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ”

قال المناوي “ومثال القليل الدائم كقطرات من الماء تتقاطر على الأرض على التوالي فهي تحدث فيها خضراً لا محالة ولو وقعت على حجر والكثير المتفرق كماء صب دفعة واحدة لا يتبين له أثر” (فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الجزء الثالث، حرف الخاء، 4024).

الأمراض النفسية مثل الحزن الإكتاب والقلق واضطرابات النوم إذا استفحلت وتحولت إلى حالات شديدة فإنها تفتك بفكر ونفس الإنسان بل وبجسده أيضاً. لذلك فإن الشخصية المسلمة تفزع إلى القرآن الكريم لأنه ربيع قلوب المؤمنين ولأنه يغذّي الروح، ويهدي إلى مكارم الأخلاق، وينمي العقل، ويهذب البيان في كل فصل من فصول السنة. في مسند الإمام أحمد “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا” (مسند المكثرين من الصحابة).

تُثبت الدراسات العالمية أن الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب وتقلب المزاج وانفصام الشخصية هي الحالات الأكثر ضرراً على البشرية وأن الاضطرابات والأمراض النفسية تسبب مشكلات لا حصر لها وتقلل الطاقة الإنتاجية. العبادة والترويح وممارسة الرياضة مثل المشي والجري والسباحة من أهم الخطوات الفاعلة في التخلص من بعض الحالات النفسية مثل الغضب والاكتئاب والقلق لأن ممارسة التمارين الرياضية فيها تحويل للحالة النفسية وكسر لدورتها .

الضغوط النفسية والتي تسمى بالاحتراق النفسي تنتج من صعوبة يواجهها الإنسان في الوفاء بمتطلبات الحياة.

الشخصية المتميزة عندها قدرة عالية على ضبط النفس ساعة الغضب والرضا. من أهم الأصول التربوية في بناء الشخصية أن يتعلم المسلم كيف يتمالك نفسه Self control ولكن للأسف قد تكون من الأخطاء الشائعة تربوياً قديماً وحديثاً عند الكبار والصغار أن الشخص القوي هو الذي يثور ويعاقب ويأخذ حقه بيده على الفور دون إعمال للعقل ونظر في العواقب. إن الغضب يحول بين العقل وبين التفكير المنطقي. الأحكام والقرارات التي نصدرها ساعة الغضب قد تجر علينا مصائب نندم عليها ولا يمكن إصلاحها في بعض الأحيان. وكم من دم طاهر سُفك.. ونفس بريئة أُزهقت.. وبيت آمن تهدم.. وقلب مُحب تحطم.. وأرحام متصلة تقطعت..وصداقات صادقة تحطمت.. بسبب ردود أفعال ارتجالية نشأت من تصرفات ساعة الغضب.

قال الله جل ثناؤه “وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) (سورة الشورى). وقال سبحانه “الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) (آل عمران). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ”. إن الناس في العموم يعتقدون أن الشديد بالصرعة والرجل القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال، بل يصرعهم ولا يغلبه أحد، وليس هذا الفهم والمفهوم هو الصحيح شرعاً، بل الإنسان القوي صاحب الصفة الممدوحة هو من يملك نفسه عند ساعات الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول. من فوائد هذا الحديث أيضاً فضل كظم الغيظ، وضرورة إمساك النفس عند الغضب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة (النووي في شرحه لصحيح مسلم، بتصرف).

يجب أن يتربى الطفل على معاني التسامح وحل المشكلات التي تواجههم في المدرسة والأسرة والمجتمع من خلال أسلوب التفاهم والعدل والحكمة لا الانتقام والثأر والتدمير. من المهم أن نغرس في الأذهان أن الشخص القوي الشجاع لا يحل مشاكله بالمشاجرات أو الكلمات النابية والغضب السريع ولكن الشجاع هو الذي يُصلح الأمور ولا يزيد نارها اشتعالاً. ومن الشمائل الحسنة أن يتعلم الطفل الصفح عن زلات الآخرين إذا أمن أن التمادي في البغي قد انقطع دابره من نفس المعتدي وأنه لن يعاود الإساءة.

النبي صلى الله عليه وسلم من أشجع الناس قاطبة ولكنه لم يستخدم العنف إلا في ساحة القتال ولضرورة إقامة العدل ودحر الظلم وفي صحيح مسلم -كتاب الفضائل- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه … وقيل لعبد الله بن المبارك: أجمل لنا حسن الخلق في كلمة. فقال: اترك الغضب. وقال محمد بن كعب: ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله، إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له. وقال علي رضي الله عنه: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي الناس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى. وقال الحسن: اطلبوا العلم وزينوه بالوقار والحلم. وقال أكثم بن صيفي: دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر.


ومن خلال النظر في كتب علم النفس والإدارة والتربية الحديثة اطلعنا على عدد كبير من الاستراتيجيات المعينة على رفع كفاءة الأشخاص وحثهم على الإنتاج والإنجاز ولم نجد أسلوب العنف والشدة والغلظة من الوسائل الناجحة في سياسة الطلاب. في بريطانيا نشرت عدة دراسات تجعل الرفق في التعامل هو أساس نجاح المدارس. ذكر هورن وبراون (Horne & Brown, 1997) في كتابهما التربوي خمسمائة طريقة لتدعيم دور المدرسة وفي كتاب آخر لريس وبراون ذكرا خمسمائة طريقة لرفع كفاءة المعلم وكان أسلوب الرفق واللين يعتبر الأساس لحث الآخرين على البذل والعمل.

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

ديوان “همس مسموع ” بين التأمل العميق والتعبير الإنساني

ديوان “همس مسموع” للأديبة الأردنية حياة صالح دراغمة يتضمن مجموعة من القصائد النثرية التي تتميز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *