تجاوز الطفولة مرحلة جديدة وحساسة في حياة ابنائنا وبناتنا، وما لم يع الاباء والامهات خطورة هذه المرحلة وأعراضها المبكرة، فانهم قد يدفعون فلذات اكبادهم الى منزلقات خطرة.
بداية، على الاباء والأمهات ان يدركوا ان المرحلة العمرية التي تلي الطفولة مشحونة بكثير من الاعراض التي قد تبدو للبعض بأنها شاذة او غير طبيعية، وما هي كذلك، لأنها من سمات مرحلة المراهقة التي يمر بها الابناء، حيث يبرز الاضطراب في التوازن النفسي، وتسارع النشاط العاطفي والعقلي لدى المراهقين.
وهنا، على الوالدين إدراك هذه التحولات الطبيعية التي يمر بها ابناؤهم فلا يستنكرونها او يحاولون كبتها بالقوة والترهيب، ظناً منهم انهم بذلك يعيدونهم الى السلوك المشروع، عليهم استيعاب التغيرات التي تفرزها مرحلة المراهقة مثل ميل بعض المراهقين للعزلة والكآبة، او تزايد اهتمام البعض الاخر بذواتهم على نحو قد يستغربه الاباء والامهات، وكأنه نوع من الانحراف والخروج عن طاعة الكبار. وعليه، فان من الضروري التعامل مع هذه الظواهر بحرص شديد، دون اللجوء الى قمعها او الاستهزاء بها، وإلا دفعنا المراهق الى التمرد على توجيهاتنا او اوامرنا.
ما ينبغي ادراكه هنا، ان تلك المرحلة تمثل مرحلة عدم استقرار يمر بها الابناء قبل ان يتجاوزوها الى سن الرشد او النضج. على اولي الامر في الاسرة ان يمنحوا ابناءهم في سن المراهقة قدرا من الحرية والاعتماد على النفس دون ان يبالغوا في ذلك، وذلك تجنبا لبعض سلبيات عدم الاستقرار التي يمر بها المراهق.
كثيرا ما يحار الاباء والامهات في امر ابنائهم وهم يمرون بهذه المرحلة القلقة من حياتهم، فترى بعضهم يصر على التعامل بحزم معهم دون ان يفطنوا الى ان ذلك يتعارض وأصول التربية الصحيحة التي تؤكد على مبدأ الصراحة مع المراهق وضرورة استمالته الينا بالحوار والمناقشة، لا بالتهديد او القمع إن فتح مثل هذا الحوار معه يجعله واثقا بنفسه معتزا بشخصيته التي باتت موضع تقدير الكبار.
ومرة اخرى، اقول: ان بعض تصرفات المراهقين كميلهم الى لفت انظار الاخرين بما يختارونه من ألوان صارخة لثيابهم او طريقة ارسال شعرهم المستغربة او اختيالهم في مشيتهم، تشكل في نظر المربين وعلماء النفس اساليب تبرز القلق والاضطراب والإصرار على توكيد الحضور داخل المجتمع.
من ناحيتهم، ينصح الاخصائيون الاجتماعيون وعلماء النفس الاباء والامهات بتوجيه المراهقين والمراهقات من الابناء والبنات الى الانخراط في الجمعيات الثقافية والاندية الرياضية التي بدورها ستساعدهم على تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية، تنأى بهم عن التطرف في السلوك او اللجوء الى العزلة.
ومن الاهمية الاشارة الى ان عدم تقدير الاباء والامهات لسمات مرحلة المراهقة كالنظر الى المراهق على انه ما زال طفلا، من شأنه ان يثير في نفسه الغضب والتمرد اذ يحس ان مثل هذه النظرة تنتقص من شخصيته التي بات يعتز بها ايما اعتزاز.
ان اعتزاز المراهق بشخصيته في هذه السن لا حدود له، لذا على الكبار عدم تهميش مثل هذا الشعور او كبته بهذه الوسيلة او تلك، بل عليهم التعامل معه بعقلانية ورحابة صدر. غير ان ذلك لا يعني الرضوخ دائما لتصرفاته وطلباته، فقد يبرر الحزم احيانا إذا ما أدرك الاب او الام ان عدم استخدامه في بعض المواقف، قد يؤدي الى انحراف المراهق وسلبيته.
بالحزم حيناً، والتسامح حينا اخر، ننقذ ابناءنا المراهقين من اي انحراف محتمل، كما نجعلهم قريبين منا أكثر فأكثر، فيسود الاحترام بيننا وبينهم، وتغدو الصراحة الوسيلة المثلى للتفاهم.
يوسف عبدالله محمود