تحديات اليوم متعددة ـ المال والغذاء والطاقة على سبيل المثال لا الحصر. إلا أنها تشترك جميعها في سبب جذري واحد، حيث تحل المضاربة والمصالح الضيقة محل المصلحة العامة، والمسؤوليات المشتركة، والفطرة السليمة.
وهذا النوع من التفكير المحدود يتسم به أيضاً اعتماد العالم على الوقود الأحفوري. بطبيعة الحال، لا يمكننا أن نفصم هذا الارتباط بين عشية وضحاها، ولكننا ندرك تمام الإدراك أن الاستمرار في صب التريليونات من الدولارات في البنية الأساسية للطاقة المعتمدة على الكربون وعلى إعانات الوقود الأحفوري أشبه بالاستثمار في الرهن العقاري الثانوي. إننا في الأساس نرهن مستقبل أطفالنا ونفرض عليهم أن يرثوا أسلوب حياة غير مستدام وغير منصف.
والخطر الأعظم الذي نواجهه يكمن في الاستمرار على نفس المسار. كيف لنا إذن أن نبدأ في معالجة التحدي الهائل المتمثل في إعادة تجهيز اقتصادنا العالمي، والحفاظ على كوكب الأرض، وانتشال آلاف الملايين من البشر من قبضة الفقر؟
إن الرد على هذا التحدي يكمن في التعامل بجدية مع مسألة تغير المناخ. وهذا هو الوقت المناسب للقيام بذلك ـ ليس على الرغم من الأزمة المالية، ولكن بسببها. وكما يقول المثل: (إن إهدار الأزمات دون الخروج منها بدروس مستفادة لأمر رهيب).
ونحن نعتقد أن أفضل استثمار في مستقبلنا الجماعي يتلخص في التركيز على الاقتصاد الأخضر الرحيم بالبيئة القائم على إطلاق قدر أقل من الانبعاثات الكربونية. وهذا الاستثمار يتسم بإمكانيات هائلة فيما يتصل بتحقيق الرخاء والربح. ولكن الأمر يتطلب منا أن نعمل جاهدين على التوصل إلى اتفاق جديد بشأن تغير المناخ الآن ـ وهو الاتفاق الذي لابد وأن يلقى القبول من جانب كافة بلدان العالم. ولابد أيضاً أن يكون اتفاقاً شاملاً وطموحاً، ومن الأهمية بمكان أن يحدد أهدافاً واضحة فيما يتصل بالحد من الانبعاثات، والتكيف، والتمويل، ونقل التكنولوجيا.
إن قرارات الاستثمار في الطاقة التي اتخذت في بوزيان سوف تحدد حجم الانبعاثات في العالم لسنوات قادمة. بيد أن الوقت يمضي، والعواقب الوخيمة المحتملة التي تنتظرنا لن تؤثر على الدببة القطبية فحسب، بل وأيضاً على مستقبل الملايين من البشر.
إن التكيف لابد وأن يشكل جزءاً حيوياً من المفاوضات، ويصدق نفس القول على التدابير الواجب اتخاذها للتخفيف من حدة المشكلة. وفي خِضَم الحسابات المعقدة المرتبطة بالكوارث، فإن هؤلاء الأقل مسؤولية عن التسبب في مشكلة تغير المناخ سوف يتحملون القدر الأعظم من تأثيراتها المحتمة. ولسوف تحتاج البلدان النامية إلى دعم مالي متزايد لحماية أشد الفئات بين شعوبها فقراً وضعفاً.
ومن هنا تأتي الأهمية الحاسمة للتوصل إلى اتفاق عالمي حول المناخ. ولكن عملية تمهيد الطريق إلى مستقبل أكثر اخضراراً وأقل معاناة بسبب الانبعاثات الكربونية بدأت بالفعل في بلدان من البرازيل إلى بنجلاديش، ومن الدنمرك إلى اندونيسيا. ومن الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة والسيارات المهجنة التي تستخدم أكثر من نوع من الوقود إلى إعادة زراعة الغابات، أصبحت البلدان في مختلف أنحاء العالم تدرك أن سلوك السبل الخضراء الرحيمة بالبيئة لا يشكل خياراً، بل ضرورة حيوية لإعادة شحن اقتصادها وتوفير الملايين من فرص العمل.
على سبيل المثال، تستطيع البلدان الاستوائية، من خلال تنفيذ الاستثمارات السليمة، أن تعمل على الحد من الانبعاثات الناتجة عن قطاع الغابات بينما توفر أيضاً فرص عمل خضراء. إن عمليات إزالة الغابات مسؤولة في الوقت الحالي عن ما يقرب من 20% من الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الانحباس الحراري.
كما أعلنت الصين عن حزمة من المحفزات الاقتصادية تبلغ قيمتها 586 مليار دولار أميركي، خصصت 25% منها للمساعدة في دعم جهود صيانة وحماية البيئة، والطاقة المتجددة.
عماد سعد