فرضت التكنولوجيا الحديثة تغيرات كبيرة في كافة مناحي وأنماط حياتنا اليومية، ولعل ثورة الاتصالات التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية، أدت إلى إحداث تغيرات جوهرية وحادة في نمط حياة الإنسان في الوقت الراهن.
المقال التالي للأستاذ أحمد محمد العنزاوي يتناول به واقع التعليم عن بعد في الوطن العربي ومدى تأثير ثورة الاتصالات على هذا المجال التربوي الهام، كما يتناول الكاتب الآفاق المستقبلية لتعلم عن بعد.
يقول الكاتب العنزاوي أن ثورة المعلوماتية وتقنيات الاتصالات الحديثة استطاعت أن تغير أسلوب حياتنا اليومية ابتداءً من كيفية شراء البضائع وطبيعة أعمالنا وممارساتنا للحياة اليومية، وشمل ذلك طريقة وأسلوب التعليم والتعلم ومع اتساع انتشار تكنولوجيا الاتصالات، لم تعد مسألة إيصال المعلومات إلى المنازل أو أي مكان أو تبادلها بين مواقع جغرافية مترامية الأطراف أمراً مستحيلاً.
ومن التطبيقات العملية والهامة لتكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلوماتية وتطورها في المعدات والبرمجيات مشروع التعليم عن بعد، والذي يعرف باختصار: “بأنه نقل برنامج تعليمي من موضعه في حرم مؤسسة تعليمية ما إلى أماكن متفرقة جغرافياً”، ويهدف إلى جذب طلاب لا يستطيعون في الأوضاع العادية الاستمرار في برنامج تعليمي تقليدي.
من طبق فكرة التعليم عن بعد أول مرة؟ وهل يحتاج هذا النوع من التعليم إلى بنية تحتية أساسية؟ وهل يحتاج إلى تعديل وتطوير مناهج التعليم التقليدي؟ هل يحتاج إلى تعديل وتطوير في غرف الدراسة؟ وعلى أي مرحلة من التعليم يمكن أن نطبق فكرة التعليم عن بعد؟
مع بداية الألفية الثالثة هي تستطيع المؤسسات التعليمية في الوطن العربي أن تطبق التعليم عن بعد؟ هل بدأت بعض المؤسسات التعليمية في الوطن العربي بالتطبيق الفعلي لهذه الفكرة؟ وهل نجحت التجربة؟
كل هذه التساؤلات تجيب عنها الدراسة.
وفي الختام تطرح الدراسة السؤال الهام: هل لنا كعرب موقع قدم ثابت وفاعل في حضارة الألفية الثالثة، حيث كنا رواد الحضارة سابقاً؟.
1ـ في البدء كلمة
نواجه في عصرنا الحـالي، ونحن في بداية الألـفية الثالثة تقـدماً كبيراً في مجالات علمية عدة، وقد اتصف الـربع الأخير من القرن العشرين بابتكار كل جديد في شـتى مجالات العلوم(1) .
إن التعرف إلى الكون واستقراء سنن الله فيه، وتوظيف تلك المعارف والسنن في عمارة الحياة على الأرض، وفي القيام بواجب الاستخلاف فيها قد تُرك كلية لاجتهاد الإنسان عن طريق ملاحظاته المنظمة، واستنتاجاته المنطقية على فترات طويلة من الزمن، نظراً لاطراد السنن الإلهية، لحدود القدرة الإنسانية، والطبيعة التراكمية للمعرفة العلمية(2،3).
وقد طلب الله جل جلاله من الإنسان أن يقوم بهذه المهمة فقال في كتابه العزيز : القرآن الكريم { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(البقرة : 164)(4).
وقد استطاعت ثورة المعلوماتية وتقنيات الاتصالات الحديثة أن تغير أسلوب حياتنا اليومية ابتداءً من كيفية شراء البضائع وطبيعة أعمالنا وممارستنا للحياة اليومية، وشمل ذلك طريقة وأسلوب التعليم والتعلم. ومع اتساع انتشار تكنولوجيا الاتصالات، لم تعد مسألة إيصال المعلومات إلى المنازل أو أي مكان أو تبادلها بين مواقع جغرافية مترامية الأطراف أمراً مستحيلاً (5).
من التطبيقات الهـامة والعملية لتكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلوماتية وتطورها في المعدات والبرمجيات مشروع التعليم عن بعد، فماذا تحقق من هذا المشروع في الوطن العربي؟
2 ـ تعريف التعليم عن بعد
يمكن أن نعطي تعريفاً مختصراً للتعليم عن بعد : ” هو نقل برنامج تعليمي من موضعه في حرم مؤسسة تعليمية ما إلى أماكن متفرقة جغرافياً ” ، ويهدف إلى جذب طلاب لا يستطيعون في الأوضاع العادية الاستمرار في برنامج تعليمي تقليدي ( 6 ).
وإذا استعرضنا الإنتاج الفكري في مجال التعليم عن بعد، فإننا نجد عدم الوضوح والدقة في التعريف واستخدام المصطلح وخلطه مع التعليم بالمراسلة كما سنرى لاحقاً، ونقدم عدداً من التعاريف لبعض العلماء.
ـ يرى العالم زيجريل ( Zigerell ) ، أن التعليم عن بعد هو إحدى صيغ التعليم التي تتصف بفصل طبيعي بين المدرس والطالب، باستثناء بعض اللقاءات التي يعقدها المدرس مع الطالب وجهاً لوجه لمناقشة بعض المشروعات البحثية. ويوضح زيجريل، أن التعليم عن بعد يختلف عن التعليم بالمراسلة من حيث إنه يستلزم بعض الفرص لتفاعل الطالب مع المعلم. ويعطي تمييزاً واضحاً بين التعليم عن بعد والتعلم عن بعد. فالأول يعنى بالإعداد أو بالعملية التعليمية ذاتها بينما يركز الآخر على نهاية المتلقي للتعليم عن بعد(6).
ـ أما ويدمير ( Wedemeyer ) ، يمضى بالتعريف خطوة أفضل إلى الأمام بالتركيز على المتعلّم الذي يحصل منه على الفرصة على أساس احتياجاته واهتماماته وطموحاته(6).
ـ ويتصف التعليم عن بعد بقربه من المعلّم، وقد عرفه القانون الفرنسي بأنه موقف تعليمي يستلزم حضور المعلّم شخصياً من حين لآخر (6).
وهكذا نجد أنه لا يوجد تعريف محدد ومتفق عليه للتعليم عن بعد، وأن التعاريف السابقة تشترك في بعض الخصائص الشـائعة، وأفضل تعريف له يتم من خلال توضيح هذه الخصائص والسمات المشتركة بين التعاريف السابقة، وهي :
أ ـ الإمداد بالتفاعل من حين إلى آخر مع المدرسين.
ب ـ إمداد الطالب بدراسة مستقلة وفردية.
جـ ـ يتم تلقي الطالب للمعرفة من خلال مقررات داخل وخارج المؤسسة التعليمية.
د ـ يعتمد التعليم عن بعد على احتياجات الطالب الفعلية(5 ، 6 ).
3 ـ مسوغات التعليم عن بعد
يعتقد التربويون وغيرهم بأن التعليم عن بعد هو تطور طبيعي لبرامج وآليات التعليم وترسيخ لمبادئه وأسسه بما يخدم الأهداف المجتمعية الكبرى. فالتطورات الفكرية والعلمية والتقنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية أثرت وبشكل ملحوظ في نمط التعليم وشكله ومحتواه وآليات تقدمه. وإن مفاهيم مثل الانفتاح الثقافي والعولمة والقرية الكونية والبث المباشر من الفضائيات أحدث نزعة قوية نحو فلسفة للتعليم تكون أكثر انفتاحاً. ومن هذا المنطلق جاء التعليم عن بعد كآلية عمل وفلسفة في الوقت نفسه لمواكبة التطورات والتقنيات والمفاهيم. ولذلك كان هناك عدد من المسوغات التي أدت إلى انتشار التعليم عن بعد ومن أهمها :
أ ـ الإتاحة : وتعني أن فرص التعليم، وخاصة ً التعليم العالي، متاحة للجميع بصرف النظر عن أشكال المعوقات الزمانية والمكانية والعمرية.
ب ـ المرونة : وهي في تخطي المعوقات البيروقراطية والروتين والوقت.
جـ ـ تحكم المتعلم : وتعني أن الدارسين يمكنهم وضع أولويات في ترتيبهم لموضوعات المنهج لتكيفه وفق أوضاعهم وقدراتهم.
د ـ اختيار أنظمة التوصيل المناسبة نظراً لاختلاف طرق التعليم لدى المتعلمين، فإن اختيارهم الفردي لأنظمة وتقنية التوصيل العلمي مثل: الحاسوب أو المراسلة أو البرمجيات والفضائيات واللقاءات، يعد سمة جوهرية لهذا النمط من التعليم الحديث.
هـ ـ الموثوقية : وتعني مناسبة البرامج التعليمية ودرجاتها العلمية للأغراض المطلوبة، كما تعني الاعتراف بهذه البرامج وإجازتها.
لقد ساعد وجود ثقافات الاتصال عن بعد في إتاحة تقديم عدد من المناهج الدراسية في الوقت نفسه، كما تؤدي دوراً متنامياً في تكوين القدرات الفردية وتفاعلاتها في مجتمعاتنا العربية(7) .
4 ـ الخلفية التاريخية
مع ظهور التقنيات الحديثة وثورة الاتصالات، بدأت الدول تتطلع حالياً إلى الخروج من نطاق النسق التعليمي التقليدي إلى الأنماط التعليمية غير التقليدية، والتي تمثلت في التعليم المبرمج والتعليم عن بعد والتعليم بالمراسلة وغيرها من أشكال طرق التعليم.
ونشأ التعليم عن بعد منذ عام 1960 نتيجةً للتنمية السياسية والتقنية، خاصةً مع تطور نظم الاتصال عن بعد لتربط الفصول الدراسية البعيدة وإثراء التعليم بالمراسلة عن طريق التكامل مع وسائل الاتصال المختلفة بدءاً باستخدام الدوائر التلفازية.
ومن تطبيقات التعليم عن بعد في مراحله الأولى كان في مجال تدريب العاملين في المكتبات بعد أن كانت مناهج التدريب تتم في مدارس نظامية منذ أن افتتح (ملفل ديوي) أول مدرسة نظامية لتعليم المكتبات في جامعة كولومبيا في نيويورك في عام 1887 (6).
لقد أدت جهود العلماء والمدرسين في مجالات التعليم كلها إلى إيجاد صيغ التعليم التي تتلاءم مع أوضاع الدارسين واحتياجاتهم خارج أسوار المؤسسة التعليمية التي تتبع نظام التعلمي النظامي التقليدي، وتمثلت هذه الصيغ في الأنماط الرئيسة الآتية:
4 ـ 1 ـ الدراسة بالمراسلة
وهي أول أنواع التعليم عن بعد، وكانت التطبيقات الأولى لها في استخدام تعليم المكتبات وعلم المعلومات. وأحدث عدد من الأندية والمدارس في المدن الأمريكية وقامت بعض المدارس والمكتبات الكبيرة والتخصصية بتعليم أعمال المكتبات وتبني طريقة التعليم بالمراسلة، على أن تكون رديفاً وملحقاً ومكملاً لطرق التعليم النظامي وليس بدلاً(6).
4ـ 2ـ الجهود التعليمية الممتدة
كان التعليم بالمراسلة له سبق الأولوية، إلا أنه لم يكن الوحيد من الجهود المبكرة في الولايات المتحدة لتوفير فرص بديلة للتعليم والتدريب في المؤسسات التعليمية، وخاصة المكتبات وعلم المعلومات، وأوجد أساتذة المكتبات وعلم المعلومات فرصاً للعاملين غير القادرين على الالتحاق ببرامج ثابتة في جداول تقليدية عن طريق إعطائهم فرصاً تعليمية خارج حدود حرم المؤسسة التعليمية، وقد سميت هذه الفرص بالجهود التعليمية الممتدة.
وقد استخدمت أشكالاً أخرى إلى جانب الفصل الصيفي، مثل: إقامة دورات مكثفة في مقررات محددة، وفصول عطلة نهاية الأسبوع، وفصول مسائية، وذلك لتمكين العاملين الذين يعملون طوال أيام الأسبوع، ولا تمكنهم الأوضاع سكنهم أو يعيشون بعيداً عن برامج التعليم التقليدية التي يكون الانتظام فيها غير ممكن، إضافة إلى قبول الطلاب غير المتفرغين ممن تجذبهم الدراسة(6).
4-3- استخدام وسائل الاتصالات عن بعد في التدريس
سعى المعلمون في الولايات المتحدة للاستخدام الأمثل للمذياع من العشرينيات والتلفاز من الثلاثينيات ولكن لم يكن استخدامهما واسع الانتشار حتى الستينيات من القرن الماضي.
وقد استخدمت الجماعات المهنية مثل: المحامين والصيادلة والمعلمين والمهندسين والعاملين بالعلوم الصحية، الاتصالات عن بعد، سواء أكان ذلك للحصول على درجة أكاديمية أن في التعليم المستمر وعقد المؤتمرات. بينما تم استخدام المذياع ومازال هذا الاستخدام سارياً في التعليم عن بعد على مدى محدود، بينما حظي التلفاز والهاتف بتركيز خاص لدى المعلمين(6).
وفي الواقع يوجد كم ضخم من التقنيات الحديثة، إضافة إلى أساليب النشر المعروفة مثـل التلفاز، الذي يملك الآن شبكات كابلية كلية واسعةالمجال – خدمات رقمية تبديلية عامة – مايكروويف ـ أمواج ميكروية ـ إنترنيت. ويعرض مشغلو الخدمات العامة الآن تقنيات مثل ISDN ـ ATM ـ ADSL ـ Frame Relay ـ والشبكات الخاصة الافتراضية ( VPN ) وتسهيلات مأجورة يمكن استخدامها عند الحاجة، وبالنسبة إلى الشركات الكبيرة يفضل أن يكون لديها شبكة خاصة تقوم بوصل جميع مواقعها لخدمة أهداف عدة تتمثل في حالتنا هذه في التعليم عن بعد التي تدعم بالصوت والصورة.
مع انخفاض أسعار التجهيزات الحاسوبية أصبحت كلفة النقل تمثل العامل الأهم في كلفة النظام. وإن التنافس بين مشغلي الشبكات العامة يتمحور حول تقديم خدمات منخفضة الكلفة وإن القدرة على انتقاء التعرفة الفضلى تجعل الشبكات العامة هدفاً جذاباً(5).
5 ـ تجارب الدول في التعليم عن بعد
إن توظيف التكنولوجيا في عملية التعليم عن بعد لاختصار الزمن والمال في الشركة المستثمرة تبدو مهمة سهلة نظرياً، ولكن التعليم عن بعد باستخدام التقنيات الحديثة من وسائط واتصالات يتطلب من الطلاب والمعلم امتلاك خبرة وعقول منفتحة تجاه هذه التقانات وينبغي مراعاة عدد من الأمور قبل البدء في التعليم عن بعد وعرض تجارب الدول في هذا المجال وهي:
ـ إجراء دورة أولية تحضيرية لكل من المعلم والطلاب، إذ إن هناك اختلافاً كبيراً بين التعليم عن بعد والتعليم المتبع في الصفوف التقليدية بالطريقة المباشرة، وذلك لأن التغذية الراجعة ستكون أشد تعقيداً، كما أن تعامل الطلاب مع هذه التقنيات سيولد شـعوراً دائماً بالقلق وأن مفهوم (الوقت=المال ) المستخدم في أثناء الاتصال سيبعث إرباكاً وخوفاً من الكلفة المترتبة على الاتصال بهدف التعليم عن بعد.
ـ في التعليم التقليدي يوجد لوح في الصف يكتب المعلم عليه ملاحظاته. بينما في التعليم عن بعد لا بد من تأمين تقانة بإمكانها السماح للمعلمين بوضع ملاحظاتهم عليها، ثم تتم عملية مسحها وتنقل الملاحظات المدونة إلى شاشة كبيرة. وحالياً لا يستطيع الطلاب مشاهدة الصورة كاملة وإنما يتم تتبعها على شكل سلسلة من الصفحات ذات القياس 4A.
ـ يمكن إعادة إرسال الدورة أو الدرس، ولكن إجراء تعديلات لحظية في أثناء الحصة يعد أمراً معقداً.
ـ عادةً يتم إعداد الصف التقليدي بسرعة، بينما في التعليم عن بعد فإن الإعداد يتطلب تحضيراً أكثر وتفكيراً مركزاً قبل الشروع به. حتى إن الوظائف البسيطة مثل جملة الوظائف المنزلية وإعادتها تتطلب تخطيطاً مسبقاً.
ـ ستؤثر طبيعة الصف البعيد في سلوك الطلاب، إذ سيبدو مغايراً للسلوك التقليدي، وسيشعرون بالمسؤولية في أثناء الاتصال وهذا سيعمق التعليم.
ـ يعد التفاعل بين الطلاب والمعلم العنصر الأساسي في أي وسط تعليمي بما في ذلك التعليم عن بعد. وعلى الرغم من انخفاض الكلفة في الأسلوب الحديث فإن الطلاب ربما لن يعطوا الصورة التلفازية الاهتمام نفسه الذي يتولد في أثناء وجود المعلم شخصياً(5،6،7).
5 ـ 1 ـ التجارب في دول العالم
تبين أن التعليم عن بعد نشط في الولايات المتحدة، وكانت الجهود متميزة، إلاّ أنه توجد بعض الأنشطة في الدول النامية وروسيا وأستراليا وأوروبا الغربية، وسنقدم ملخصاً للمشاركين في أنشطة التعليم عن بعد في أرجاء العالم وعرضاً للنماذج التي طبقت :
ـ يُستخدم التعليم عن بعد في الدول النامية لتوفير ما يقدمه التعليم التقليدي كما هو متاح في المؤسسات التعليمية التقليدية في العالم الغربي.
ـ يتوافر التعليم عن بعد في روسيا في أماكن العمل وتركز جهوده على زيادة الإنتاجية.
ـ تعد الجامعة المفتوحة البريطانية ( BOU ) من أكثر نماذج التعليم عن بعد نجاحاً، وصار النظام المقبول كبرنامج نموذجي في أنحاء العالم كله. وقد بدأت الجامعة المفتوحة كفكرة لجامعة على الهواء إذ صممت لتوفير المقررات الدراسية في التعليم العالي بوساطة وسائل الاتصال الجماهيري للفنيين والعاملين في المجالات التكنولوجية. وفي أوائل عقد السبعين بدأت الجامعة البريطانية المفتوحة تقوم بإمداد البالغين بنظام يسمح بنيل الدرجة الدراسية الأولى(6).
ـ جمعت الجامعة المفتوحة البريطانية بين أفضل الخصائص التي يتميز بها نظام الدراسة بالمراسلة إلى جانب استخدام الأفلام والأشرطة التعليمية التي تم إعدادها بعناية بوساطة هيئة الإذاعة البريطانية، ونتيجة لذلك أصبحت الجامعة المفتوحة أعظم منشأة تعليمية ناجحة في أرجاء العالم وربما تكون أعظم وأهم تجديداً حدث في تاريخ التعليم على حد قول العالم نيلور. ويتلقى التعليم من خلالها ما بين 17000 ـ 20000 طالب سنوياً من خلال استخدام الأشكال والوسائط التعليمية المتنوعة التي تشمل برامج إذاعية وتلفازية إلى جانب أشرطة التسجيل المسموعة والمرئية.
ـ تقوم الكلية المفتوحة للتعليم الأفضل في أستراليا بإمداد البالغين بدراسات مستقلة من خلال التعليم عن بعد، كما تقدم التعليم لبعض المراحل التعليمية والتدريب الفني، وتمنح هذه البرامج شهادات ودبلومات لأكثر من 23000 طالب.
ـ تقوم جامعة أثابسكا (Athabasca) في ألبرتا (كندا) بتقديم مقررات تعليم عن بعد من خلال الوسائط السمعية والبصرية والتكنولوجية حول موضوعات مثل: الإدارة، والإنسانيات، والعلوم الاجتماعية، ومقررات تطبيقية كالاتصالات بين الأفراد. ومن خلال محطة إذاعتها الثقافية يتم استقبال مقررات للتعليم عن بعد إلى جانب حزمة من المقررات التي تحتوي على واحد أو أكثر من الكتب الدراسية وكراسة الواجب للطالب والموجز الإرشادي ومواد غير مطبوعة، وتشمل التكليفات الدراسية على المقالات التقليدية والأوراق البحثية (6).
ـ في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، حصل الربع في الخرجين في الكليات الفنية والجامعات (تخرج مليون ونصف المليون طالب) على مؤهلاتهم العلمية من خلال التعليم عن بعد. ويقدم هذا النوع من التعليم بوساطة 20 من إجمالي 54 كلية وجامعة وبنسبة أكثر من 10% من إجمالي أعداد الطلاب الملتحقين بهذه المقررات.
ـ تقدّم السويد فرص التعليم عن بعد من خلال مدارس المراسلة جنباً إلى جنب مع استخدام التلفاز والمذياع التعليمي. ويُقدم هذا النوع للبالغين وطلاب مرحلة الإجازة الجامعية الأولى.
ـ تم تطوير نموذجين على الصعيد الدولي لبرامج التعليم عن بعد أسوة بما هو متبع في الجامعة المفتوحة البريطانية. تمثلت هذه النماذج في التجمع الجامعي الدولي Intern. Univ. Consortium وهـو تجمع مكـون من 25 كلية من الولايات المتحدة وكندا ويقدم مقررات يتم بثها تلفازياً في أنحاء البلاد. والتجمع الثاني أُطلق عليه [لكي تعلم الشعبo Educate People (TEP) ] ويهدف إلى تقديم التعليم العالي للبالغين من خلال البرامج التعليمية التلفازية إضافةً إلى الملحق للمناقشة البحث في نهاية كل أسبوع ويتم في الحرم الجامعي. وقد تضافرت جهود الجامعة والتلفاز العام لتوفير التعليم عن بعد من عام 1965 بالتعاون مع جامعة الهواء في نيويورك في السنوات العشر التي تلتها(5 ، 6).
ـ تجربة جامعة (كورنل) وهي من التجارب المتميزة، إذ وضعت الجامعة بنية وتسهيلات تعلم عن بعد جديدة أحدثت تغييراً جذرياً، إذ أصبح هناك الآن صفان افتراضيان عاليا الأداء لدى هذه الجامعة يستطيع الطلاب من خلالهما التخاطب مع الجامعة ومع بعضهم في أي وقت. لقد خضع تصميم غرفة الصف إلى علم أصول التدريس، وكمركز جامعي يتم اقتراح تطوير التقانات المستخدمة وتوسيعها. وسنعرض نموذجاً لأحد هذه الصفوف.
لقد تم استخدام مستوى عالٍ من تقانات التعليم ورُوعيت مسألة التعليم عن بعد في أثناء التصميم. كما أن هذا الصف يعد مميزاً من حيث أتمتته وتصميمه ووظيفته. فهو يحوي آلات تصوير مؤتمتة قابلة للتحكم بها عن بعد، وقابلية للتشارك في الوثائق والصفحات وميكروفوناً يستقبل وشاشة حاسوبية وقناعاً للرأس، إضافةً إلى أدوات إلكترونية متطورة وشفافيات، ويستخدم الصف نمط نقل رقمي مضغوط للمعلومات إلى المبنى وخارجه بسعر منخفض. كما تتم عملية نقل الصور من خلال الأقمار الصناعية ويتم نقل الصوت عن طريق إنترنيت. وقد استطاعت هذه التجهيزات المتطورة إضفاء مظهر لهذا الصف يماثل إلى حد كبير صفوف الجامعة التقليدية بأدائية عالية المستوى. ومن ميزات هذه التكنولوجيا أنها محمية لتجنب تعرضها للأذى ويجري الآن دعم الجامعة بتكنولوجيا مرئية ـ صوتية دون أن تؤثر في أصول التدريس، ويحوي مبنى الجامعة غرفة تحكم خاصة يجري فيها التحكم بالوظائف وتتضمن هذه الغرفة شاشة لمسية سهلة لوظائف الصفوف جميعها ويستطيع مشرفو الجامعة اختيار تشغيل التقانات كلها أو بعضها أو عدمها، وكل الإعدادات تتم في غرفة التحكم. وفي الواقع كان الهدف الأساسي من تصميم هذا الصف هو استثمار التكنولوجيا لتحل محل بيئة التعليم التقليدية (5).
5 ـ 2 ـ التجارب في الوطن العرب
لم يكن الوطن العربي بعيداً عن التطور في تقانات المعلوماتية والاتصالات واستخدامها في مجال التعليم عن بعد، ويوجد في عدد من الأقطار العربية بعض التجارب المتواضعة والصغيرة والتي نأمل أن تتطور وتزداد انتشاراً وفائدة.
ـ في مصر: وبعد أن أطلقت القمر الصناعي نايل سات خُصصت بعض القنوات التي يبثها القمر الصناعي للتعليم، وتقوم القناة الفضائية المصرية ببث برنامج أسبوعي للعلاج عن بعد .
ـ في سورية: منذ أكثر من عشر سنوات والقنوات التلفازية تبث البرامج التعليمية لطلاب المدارس الابتدائية والثانوية وإلى أبناء الأرض المحتلة في الجولان وفلسطين. إضافة إلى برمجة عدد من الكتب المدرسية التي تدرس في المرحلتين الابتدائية والثانوية على أقراص ليزرية تشمل المنهاج النظري والعملي، إضافة إلى حل بعض المسائل.
ـ في الكويت: بدأت جامعة الكويت بتجربة جديدة للتوسع في برامجها التعليمية من خلال الإنترنيت والتعليم عن بعد، الذي يعطي تفائلاً أكثر في مسيرة هذه التقنية التعليمية الفائقة الحداثة والفائدة في الوطن العربي .
– وثمة مشروع إعداد دراسة تفصيلية في سبع دول عربية لإنشاء شبكة إقليمية للتعليم عن بعد ، وإعداد التصميم الفني لتلك الشبكة مع التنفيذ التجريبي لنماذج من البرامج التي يتم تدريسها عن بعد في ثلاثة دول عربية كمرحلة أولى، وذلك بإشراف المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات وهندسة البرامج، وقدتم إعداد التصمصم الفني للشبكة وتحديد متطلبات الشبكة من شبكات اتصال وشبكة إنترنيت والبرامج والوسائل التقنية للتشغيل، كما تم إرسال ورشة عمل إلى خمسة عشرة مؤسسة وجامعة عربية لعرض ومناقشة عناصر واحتياجات بناء الشبكة، ومتطلبات الجهات العربية في الكويت والمركز الوطني في الأردن على تأسيس مراكز دعم التعليم عن بعد كنموذج لوحدات استقبال للتعليم عن بعد، بحيث تكون تلك الوحدات مجهزة بالوسائل التقنية inter-active video وتأمين الاتصال بإنترنيت ، إضافة إلى المكتبات الإلكترونية للرسائل التعليمية(5،6،7).
6 ـ التعليم عن بعد وحقوق التأليف والنشر
لابد قبل البدء في عرض هذا الموضوع من تقديم تعريف موجز لهذا النوع من الحقوق، والتي تسمى بالحقوق المعنوية وهي التي يراد بها في المصطلح الفقهي مايقابل الحقوق المالية، سواء مايتعلق منها بالأعيان المتقومة، أو المنافع العارضة ، كحق البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع، وحق الشفيع في الشفعة، وحقوق الارتفاق وحق المستأجر(8)
والسؤال الذي نطرحه في هذا المجال هو: هل الجهد الفكري في التأليف يورث صاحبه في ميزان الشرع أي اختصاص حاجز يتضمن معنى الحق ؟ والجواب عن ذلك : نعم، بل لا نعلم في هذا القدر خلافاً. ومن أبرز ما يدل على ذلك ما هو ثابت من حرمة انتحال الرجل قولاً لغيره، أو إسناده إلى غير مصدره. بل كانت الشريعة ولا تزال، قاضية بنسبة الكلمة والفكرة إلى صاحبها، لينال هو دون غيره أجر ما قد تنطوي عليه من خير، ويتحمل وزر ما قد تجره من شر. وقد ذهب الإمام أحمد في تحديد هذا الاختصاص وتفسيره مذهباً جعله يمنع من الإقدام على الاستفادة بالنقل والكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه، إلاّ بعد الاستئذان منه. فقد روي عن الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها، أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردها ؟ فقال : لا، بل يستأذن ثم يكتب(9).
إذاً، فالتأليف يورث صاحبه حقاً يتعلق بمحلّه الذي هو ثمرة جهد فكري أو علمي. ولكن ما طبيعة هذا الحق ؟ أهو حق مادي مالي، أم هو حق معنوي خال من شـوائب النفع المادي أو المالي ؟ لن ندخل في التفاصيل لأن المقام لا يسمح، وإنما نقول بما ورد في كتب الفقه : إن مالك الكتاب بهبة أو شراء يحق له أن يتصرف بالعين المادية التي اشتراها، إذ هي التي وقع العقد عليها، كما أنه يستطيع أن يعبّر عن الأفكار التي في الكتاب وأن يناقشها ويرفضها ويرويها، ولكن ليس له أن ينتحلها لنفسه، ثم إنه لا يملك إذاً من باب أولى أن يبيع هذا الحق المنسوب إلى غيره ويستقل هو يثمنه اعتماداً على مجرد أنه قد امتلك نسخة من كتاب تحوي صورة هذا الحق. لا شك أن هذه النسخة تغدو عندئذ في يده أشبه ما تكون بكوّة فتحت في جدار، لتتسرب اليد الأجنبية منها إلى الداخل، ثم لتقتنص كل ما قد يوجد فيه دون حق (9).
ولما كان التعليم عن بعد يحتاج إلى الكثير من المستلزمات والتكنولوجيا الحديثة المتطورة من البرامج وتأليف وإعداد الموضوعات التي تدرس وتبث إلى الدارسين، وغالباً ماتكون هذه الموضوعات التي يستخدمونها محفوظة بحقوق التأليف والنشر، والتي تسمى في القانون المدني بالحقوق المجردة، ويندرج تحت هذا المسمى أيضاً حق الابتكار والحق الذي يحصل بحكم العرف والقانون لمن ابتكر مخترعاً جديداً أو شكلاً جديداً لشيء(5 ،10). والمراد من حق الابتكار أن هذا الرجل ينفرد بحق إنتاج ما ابتكره وعرضه للاستعمال، والمسألة الأساسية في هذا الصدد : هل حق الابتكار والتأليف والنشر حق معترف به شرعاً ؟ والجواب: إن من سبق إلى ابتكار شيء جديد سواء كان مادياً أو معنوياً، فلا شك أنه أحق من غيره بإنتاجه لانتفاعه بنفسه، وإخراجه إلى السوق من أجل اكتساب الأرباح، وذلك لما روى أبو داوود عن أسمر بن مضرس ـ رضي الله عنه ـ قال : أتيت النبي [ فبايعته فقال:(من سبق إلى ما لم يسبقه مسلم فهو له)[أبو داود ـ رقم الحديث 2947](11) .
وقد ناقـش القانون المدني هذه الحقوق ـ والتي اصطلح على تسميتها بالملكية الأدبية والفنية والعلمية للمؤلفات ـ من خلال هذا الحق في مسألتين هما العرض للجمـهور و الأداء العلني. فعلى سبيل المثال تعد عملية عرض صور متحركة على طلاب صف عملية غير مسموحة من وجهة نظر قانون حماية الإظهار العام، كما أن تشغيل شريط فيديو في صف ما ربما يكون ممنوعاً بالنسبة للأداء العلني. ونظراً لتطور الأوعية التي تنشر فيها المعلومات والثقافة التي أصبحت تعتمد الوسائل الرقمية الإلكترونية وأساليب التوزيع الإلكتروني والاتصالات التي تستخدم في التعليم عن بعد كان لزاماً على المشرعين والمهتمين بحقوق التأليف والطباعة والنشر تطوير حقوق المؤلفين التقليدية بما يتناسب مع العصر ومع الوسائل المستجدة، وبدأت هذه القضية تثير جدلاً واسعاً بين أوساط القانونيين والمؤلفين والناشرين والمستفيدين مثل الجامعات التي تمارس التعليم عن بعد، كلّ يدافع عن جهوده وحاجاته العلمية والتجارية.. إلخ (5،12).
في الختام أود أن أشير إلى أنه صدر حديثاً في سورية قانون حماية المؤلفات والملكية الأدبية والعلمية وتضمن القانون مواداً تنص على حماية هذه الحقوق التي تستخدم الوسائط الرقمية سواء في التأليف أو الطباعة أو النشر أو إعادة النشر والطبع والتوزيع والنسخ.
كما صدرت في المملكة العربية السعودية فتوى تمنع نسخ البرامج والمؤلفات التي توجد على منتجات الوسائط الرقمية بأي شكل كان إلاّ بإذن مسبق من صاحب الحق أو المؤلف الأساسي.
7 ـ التعليم عن بعد في الألفية الثالثة
قدمنا في هذه العجالة تاريخ وواقع التعليم عن بعد وكيف بدأت التقنيات الحديثة تسّرع من عملية تطور التعليم وتعطي المؤشرات لما سيكون عليه حال وأشكال التعليم عن بعد في الألفية الثالثة، وقدم عرضاً لما تصوره العلماء في هذا المجال من واقع التطور السريع للتقنيات المتعلقة بالمعدات والبرمجيات الحاسوبية وتقنيات الاتصالات الحديثة بكافة أشكالها وأسمائهاكلها.
وأحب أن أشير إلى أن هناك فرقاً بين التعليم عن بعد والتعليم الذاتي عن بعد على الصعيد الاجتماعي حيث إن التعليم الذاتي عن بعد ما زال وقفاً على القادرين ـ وخاصةً ـ في البلدان العربية، ومن ثم فمن مهام القائمين على التربية والتعليم في أقطارنا العربية أن يعملوا على تنامي التعليم الذاتي عن بعد بين الفئات الاجتماعية غير القادرة، حتى يكون هناك تحول جوهري في معنى تكافؤ الفرص التعليمية مع توفير الأشكال الأحدث من تقانات التعليم الذاتي عن بعد لهذه الفئات(7).
إن شكلاً جديداً لمستقبل الدراسات العليا بدء يطبق في الولايات المتحدة وأوروبا، ويعد اختفاء حدود الزمان والمكان واحداً من أهم الملامح المميزة لهذا المستقبل، عندما كان محتماً على الطلبة الذهاب لمكان محدد لدراسة البرامج التعليمية المختلفة، كان من المنطقي أن نتحدث عن الاعتماد الإقليمي، ومناطق التعليم، ومناطق الخدمات والفصول الدراسية (13).
وقد هجّرت نظم الاتصالات الحديثة تلك المفاهيم، وبهذا الاتصال اللامتزامن باستخدام الإنترنيت على سبيل المثال يمكن أن يصل المقرر التعليمي نفسه إلى طالب في هونغ كونغ أو هلسنكي أو سورية أو في بريتوريا. وستحتم تلك التغيرات في أنظمة الاتصالات تطوير طرق حديثة في اعتماد المقررات التعليمية والبرامج التي يتلقاها الطلاب في أنحاء مختلفة من العالم والموافقة عليها.
إن الاختلاف بين التعليم عن بعد ( Distance Eduction ) والتعليم المحلي ( Local Eduction ) أصبح واضحاً وجلياً وسيتم دعمهما رقمياً في المستقبل، لأن منهجية التعليم عن بعد توفر بعض المميزات لتعليم الطالب. وسيتبنى التعليم المحلي تلك التقنات. وبحلول العام 2025 ستكون 95% من المحاضرات في الولايات المتحدة على الأقل مدعومة رقمياً. وستكون المقررات التعليمية الرقمية لمعظم المستويات التعليمية في الكليات متاحة قبل العام 2025 بكثير. وقد أوضحت الدراسات أن هناك 25 مقرراً تعليمياً لمستوى الكلية ستحظى بنحو 50% من مجموع الشهادات المسجلة في التعليم العالي الأمريكي، من بينها : مقدمة في الفيزيولوجيا، التاريخ الأمريكي، مقدمة في الكتابة بالإنكليزية، تمهيد للغة الإسبانية، حساب التفاضل والتكامل، وستكون هناك ” تطبيقات قاتلة ” متاحة لتلك المقررات الخمسة والعشرين بحلول العام 2010، وقد سميت تلك التطبيقات بالتطبيقات القاتلة ( Killing Applications ) بسبب جودتها، ومميزاتها الشاملة، واستخداماتها الواسعة، وستكون متاحة للتعليم عن بعد والاستخدام المحلي. وسيتنبه ناشرو المقررات التعليمية لتلك الفوائد الجمة الناتجة من تلك التطبيقات(13).
بينما نصنع التحول إلى عصر التعليم الجديد، ستقوم آلاف المؤسسات بتطوير مناهجها الرقمية، وبذلك نعيد اختراع العجلة مرات ومرات، ومن ناحية أخرى، ستستحدث ثورة مطوري المناهج عدداً قليلاً من شركات تمويل المناهج الرقمية والشركات التي ستوفر الجزء الأكبر من المناهج الرقمية. وستبيع هذه المجموعات المقررات مباشرةً للطلاب وترخص المقررات الرقمية للكليات والجامعات. وعندما يتضاءل عدد المعاهد التقليدية سيكون عدد مقدمي التعليم العالي في ازدياد، وستغلق الكثير من الكليات الخاصة والجامعات أبوابها، ولكن سيظل هناك سوق للجامعات الداخلية.ستظل الجامعات التي توفر للطلاب مجتمعاً دينياً أو برامج خاصة أخرى للمراهقين الأكبر سناً متاحة ومرغوباً فيها. ولكي تستمر وتجذب الطلاب الراغبين في الاستفادة من سعر متميز،يجب أن توفر تلك المعاهدبرامج خاصة ذات جودة أعلى وأكثر تميزاً من المقررات التعليمية. وسيتيح التأكيد المتزايد على الحصيلة التعليمية، وأنظمة جديدة للاختبارات وتقنيات تقيمية أخرى للطلاب الراغبين في الاعتماد على أنفسهم في الدراسة. وهذه الأيام أيام مثيرة في تاريخ التعليم. فالتعليم بكل أشكاله يعد ضرورة حتمية في طريق المجتمع المعرفي. ويبدل التغيير سريعاً وجه التوصيل التعليمي، لكن المؤكد حقيقة واحدة : العالم المتحدث بالإنكليزية سيستمر في استثمار جزء من موارده في دعم المواطن المتعلم في المستقبل. وهذا رأي عالم غربي، فما رأي العلماء العرب في ذلك، المتحدثين باللغة العربية(5،13،14).
8 ـ الخاتمة والمقترحات والتوصيات
ثمة مجموعة من التنبؤات بشأن التعليم عن بعد يفترض أن تتحقق خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين كما تصورها مجموعة من العلماء ، وقد وصل عددها إلى ستة عشر تنبؤاً معظمها يتعلق بالتعليم الثانوي والجامعي، لامجال لذكرها ومن أراد المزيد من التفاصيل في هذا الموضوع نحيله إلى المراجع المختصة والمدرج جزء منها في نهاية هذا البحث.
وفي الختام نقدم عدداً من المقترحات والتوصيات، أتمنى أن تجد طريقها للتنفيذ من قبل المسؤولين عن التعليم في الوطن العربي:
1-تطوير المشروع المشترك الذي بدأت بدراسته بعض الدول العربية والذي أشرنا إليه في هذه الدراسة.
2- العمل على تأمين شبكة اتصالات متطورة مشتركة بين الدول العربية وبتكلفة اتصال رخيصة، كي تتحقق ديمقراطية التعليم للفئات كافة في المجتمع العربي.
3- تعميم تجربة الدراسات العليا واستخدام التعليم عن بعد في منح هذه الشهادات للراغبين في متابعة التحصيل العالي، وذلك بعد وضع عدد من الضوابط والشروط الخاصة بالدارسين، لأن هذه الدراسات هي أسهل تطبيقاً في المرحلة الأولى من مشروع التعليم عن بعد.
4- العمل على إصدار بعض المواد الدراسية بشكل كتاب إلكتروني وتوزيعه بسعر زهيد، وذلك تطويراً للتجربة السورية في هذا المجال.
5- تطوير البرنامج التعليمي التلفازي “أهلنا في الجولان والأرض المحتلة” الذي يبثه التلفاز العربي السوري، وبثه إلى دول العالم كلها وذلك للحفاظ على الهوية العربية واللغة العربية لكل أبنائنا وأخوتنا العرب المهاجرين والمغتربين.
6-العمل على دراسة شاملة وموسعة لإقامة جامعة عربية مشتركة تحت إشراف جامعة الدول العربية تعتمد تقنية التعليم عن بعد.
وفي الختام يبقى لدينا السؤال الوحيد والهام : هل لنا كأمة عربية موقع قدم ثابت وفاعل في حضارة الألفية الثالثة؟ والتي بدأت تظهر مقوماتها ومميزاتها بأنها حضارة عالمية يشترك في صنعها العالم بأسره ، وليس لأمة من الأمم أو شعب من الشعوب الفضل في بنائها، حيث كنا رواد الحضارة العربية الإسلامية التي امتدت إلى قرون عدة ووصفت بأنها حضارة عالمية إنسانية.
المصادر
1 ـ شبكة الإنترنيت، المهندس المدني أحمد محمد العنزاوي، 1996، محاضرة ألقيت في الأسبوع الهندسي السابع في نقابة المهندسين السوريين ـ ريف دمشق.
ـ شبكة الإنترنيت والعولمة، المهندس المدني أحمد محمد العنزاوي، محاضرة ألقيت في الندوة الدولية التاسعة للاستشعار عن بعد، دمشق، 1998.
2 ـ الهدم بالتفجير إلى الداخل، المهندس المدني أحمد محمد العنزاوي، دراسة في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، النبك، 1996، قيد النشر.
3 ـ المجلة العربية، العدد رقم 227، السنة العشرون، السعودية، 1416 ـ 1996.
4 ـ القرآن الكريم.
5 ـ مجلة المعلوماتي والحاسوب والتقنيات، رقم العدد 93 صيف 2000، فصلية، إصدار مركز المعلومات القومي، سورية.
6 ـ العربية 3000، رقم العدد 1 شتاء 2000، فصلية، إصدار النادي العربي للمعلومات
7 ـ مجلة المعلومات، رقم العدد 184، أسبوعية، إصدار مركز المعلومات القومي، سـورية.
8 ـ قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، ج 2، مكتبة الفارابي، دمشق، سـورية، ط1، 1419 ـ 1999.
9 ـ الحقوق المعنوية وأحكامها، د. محمد سعيد رمضان البوطي، محاضرة ألقيت في المركز الثقافي الاجتماعي التابع لمسجد الدعوة في باريس خلال الندوة التي عقدت من 13 ـ 14 / 1 / 2001
10 ـ شرح القانون المدني، الحـقوق العينية، د. محمـد وحـيد الدين سـوار، دمشق، كتاب جامعي، 1410 ـ 1990
11 ـ كتب الأحاديث التسعة، المحفوظة على قرص ليزري، شـركـة صخر.
12 ـ بحوث في قضايا فقهية معاصرة، محمد تقي العثماني، دار القلم، دمشق.
13 ـ مجلة المعلومات، رقم العدد 152، أسبوعية، إصدار مركز المعلومات القومي، سـورية.
14 ـ مجلة الثقافة العالمية، رقم العدد 105، السنة العشرون، آذار ـ نيسان ـ 2001 إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
شكرا جزيلا