الانتقال إلى التعلم الذكي واختصار زمن تحقيق أهداف التعلم “التكيّف مع التغيير، وتطوير مهارات التفكير المرن”

المهندس مجدي أبو زينه

 

6000 سنة قبل الميلاد كانت أسرع وسيلة نقل هي الجمال… 1600 سنة قبل الميلاد كانت السرعة 30 كم/ساعة كحد اقصى … اول قاطرة بخارية في العام 1825 كانت سرعتها 18كم/ساعة … في الثمانينيات من القرن الماضي كانت أسرع وسيلة نقل 150كم/ساعة … في التسعينيات من القرن الماضي وصلت السرعة الى 600 كم/ساعة … وفي أيامنا هذه وصلت اقصى سرعة للصاروخ الى 17 ماخ أي ما يعادل 17 ضعف سرعة الصوت… فهل نقفز عاليا خارج الشاشة!!

 

إذا في رحلتنا عبر الحياة نواجه تحديات مختلفة ورغبة في الهروب من الواقع فالتغيرات المتسارعة والمتلاحقة في التكنولوجيا، والاقتصاد، وأنماط الحياة قد تفوق قدرة الإنسان على التكيف.

 

فلم يعد الناس يرتبطون بأماكن، أو أصدقاء، أو حتى وظائف لفترات طويلة. كل شيء مؤقت وسريع الزوال، مما يؤدي إلى شعور باللااستقرار واللاثبات وفقدان المعنى. فلا بد من إعداد الطالب للتعامل مع التغيير، ليس فقط عبر التعليم التقليدي، بل من خلال تعليمهم كيفية التكيّف مع التغيير ذاته، وتطوير مهارات التفكير المرن، والتأقلم مع الغموض.

 

التعلم الذكي؟

 

شهدت أنظمة التعليم حول العالم تحولات جذرية خلال العقد الأخير، وكان من أبرز هذه التحولات الانتقال من أساليب التعليم التقليدي إلى ما يُعرف بـ “التعلم الذكي”.

 

هذا التحول لم يكن مجرد استخدام للتقنيات الحديثة، بل تغيّر شامل في الفلسفة التربوية، وأسلوب تقديم المعرفة، وطرق تقييم التحصيل العلمي.

 

وقد أسهم هذا التوجه في اختصار الزمن اللازم لتحقيق الأهداف التعليمية، مع الحفاظ على جودة التعلم، بل وزيادتها في كثير من الحالات.

 

التعلم الذكي هو نمط تعليمي يعتمد على التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي، ويوظف البيانات لتحسين تجربة المتعلم بشكل فردي. يتميز هذا النمط بالتكيف مع احتياجات الطالب، وتقديم محتوى مخصص يتناسب مع مستواه وسرعته في التعلم، ما يتيح له فهم المفاهيم بشكل أعمق وفي وقت أقل.

 

مزايا التعلم الذكي في تسريع تحقيق الأهداف التعليمية:

 

  1. التعليم المخصص: يستطيع نظام التعلم الذكي تحليل أداء المتعلم وتقديم محتوى ملائم لقدراته، مما يقلل من الوقت المهدر في مراجعة مفاهيم قد يكون الطالب متمكناً منها بالفعل.
  2. التغذية الراجعة الفورية: توفر المنصات الذكية تقييمات فورية، مما يساعد الطالب على تصحيح أخطائه وتثبيت التعلم دون انتظار المعلم.
  3. المرونة في الزمان والمكان: لم يعد الطالب مقيداً بجدران الصفوف الدراسية، بل يمكنه التعلم في أي وقت ومن أي مكان، وهو ما يعزز من فاعلية الوقت المستغرق في الدراسة.
  4. تحفيز الذات والاستقلالية: تتيح بيئات التعلم الذكي أدوات تشجع الطالب على التعلم الذاتي، مما يُعزز من مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، وهي من أهم أهداف التعليم العصري.

 

ورغم ما يقدمه التعلم الذكي من فوائد، إلا أن الانتقال إليه يواجه تحديات عدة، منها ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق، وضرورة تدريب المعلمين على استخدام هذه الأنظمة بفعالية. ومع ذلك، فإن الفرص التي يفتحها هذا التحول هائلة، خاصة في مجالات التخصيص، وتوسيع الوصول إلى التعليم، وتطوير المحتوى بشكل مستمر.

 

مبدأ باريتو (قاعدة 80/20): تحقيق أقصى النتائج بأقل الجهود

 

مبدأ باريتو، المعروف أيضًا باسم قاعدة 80/20، هو مفهوم يشير إلى أن 80% من النتائج تأتي من 20% فقط من الجهود المبذولة.

 

سُمِّي على اسم الاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو، الذي لاحظ في أوائل القرن العشرين أن 80% من أراضي إيطاليا كانت مملوكة لـ 20% من السكان. ومنذ ذلك الحين، ثبت أن هذا المبدأ قابل للتطبيق في العديد من المجالات.

 

استند باريتو في ملاحظته إلى الاقتصاد، ولكن لاحقًا قام عالم الجودة جوزيف جوران بتعميم الفكرة، وأطلق عليها “القلة الحيوية والكثرة التافهة”، وخاصة في مجال ضبط الجودة. أما اليوم، فيُستخدم مبدأ باريتو على نطاق واسع في:

  • العمل التجاري: 80% من الأرباح غالبًا ما تأتي من 20% من العملاء.
  • إدارة الوقت: 20% من المهام تحقق 80% من الإنتاجية.
  • خدمة العملاء: 80% من الشكاوى تصدر من 20% من الزبائن.
  • تطوير البرمجيات: 80% من الأعطال تنتج عن 20% من الأخطاء البرمجية.

 

يساعد تطبيق قاعدة 80/20 على تحقيق ما يلي:

 

رفع الكفاءة: التركيز على المهام الأساسية التي تؤدي إلى معظم النتائج.

اتخاذ قرارات أذكى: توجيه الموارد نحو الأنشطة الأكثر تأثيرًا.

تحديد الأولويات: تمييز الأهداف والإجراءات ذات الأثر الأكبر.

 

رغم فاعليته، لا يُعد هذا المبدأ قانونًا صارمًا. بل هو قاعدة تقريبية، قد تختلف نسبتها (مثل 70/30 أو 90/10)، إلا أن الفكرة الرئيسية تظل ثابتة: جزء صغير من الجهد يولد الجزء الأكبر من النتائج. يشجعنا مبدأ باريتو على الانتقال من العمل الشاق إلى العمل الذكي. من خلال تحديد العوامل الأكثر تأثيرًا والتركيز عليها، يمكن للأفراد والمؤسسات تحقيق نتائج أكبر بموارد أقل، مما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية والرضا العام.

 

التعليم عن بُعد والتعلم الذاتي

 

أدى تطور الإنترنت والتقنيات الرقمية إلى بروز نماذج تعليمية مرنة مثل التعليم عن بُعد والتعلم الذاتي عبر المنصات التعليمية. هذه النماذج تمنح المتعلمين حرية اختيار الوقت والمكان والمحتوى، وتلائم احتياجات الأفراد المختلفة، خاصة في ظل الأزمات مثل جائحة كورونا التي أبرزت أهمية التعليم الإلكتروني.

 

الذكاء الاصطناعي والتعلم التكيفي

 

الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً متزايداً في تخصيص التجربة التعليمية، حيث تُستخدم الخوارزميات لتحليل أداء المتعلم وتقديم محتوى يناسب مستواه وتطوره. هذا النوع من التعليم التكيفي يعزز من فعالية العملية التعليمية ويقلل الفجوات بين الطلاب.

 

الواقع المعزز والافتراضي

 

التقنيات الغامرة مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) توفر بيئات تعليمية تفاعلية تسمح للطلاب باستكشاف المفاهيم العلمية والتاريخية بطريقة عملية، مما يزيد من فهمهم ويعزز مشاركتهم.

 

رغم هذه المزايا، يواجه التعليم الرقمي تحديات عدة، أبرزها الفجوة الرقمية بين المجتمعات، وقضايا الخصوصية والأمان، والحاجة إلى تدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا بكفاءة. إلا أن هذه التحديات تمثل أيضاً فرصاً لتحسين البنية التحتية وتحديث السياسات التعليمية.

 

مستقبل التعليم في العصر الرقمي يتجه نحو بيئة تعليمية مرنة، تفاعلية، وشاملة، ترتكز على المتعلم، وتستفيد من التقنيات الحديثة في تحفيز الإبداع والتفكير النقدي. ومن المتوقع أن تلعب الشراكات بين الحكومات ومؤسسات التكنولوجيا دوراً محورياً في بناء هذا المستقبل.

 

إن الانتقال إلى التعلم الذكي ليس رفاهية بل ضرورة في ظل التحولات الرقمية المتسارعة. ومع التوظيف الصحيح لهذه التقنيات، يمكننا اختصار المسافة نحو تحقيق أهداف التعلم، وتخريج أجيال قادرة على التكيف، والإبداع، والمنافسة في سوق العمل العالمي.

 

المراجع:

 

  1. 1. UNESCO. (2022). Smart Learning Environments: Redefining Education with Technology. Retrieved from https://unesdoc.unesco.org
  2. 2. OECD. (2021). The Future of Education and Skills: Education 2030. Available at: https://www.oecd.org
  3. Chen, N.-S., Kinshuk, Wei, C.-W. (2020). Smart Learning: Research, Practice and Challenges. Springer.
  4. Understanding Pareto’s Principle – The 80-20 Rule. https://oregonwomenlawyers.org/wp-content/uploads/2018/05/The-80-20-Rule-Paretos-Principle-copy.pdf

 

عن المهندس مجدي أبو زينة

باحث في مركز بحوث البيئة - الجمعية العلمية الملكية سابقا مسؤول مختبرات في مديرية لواء الجامعة سابقا

شاهد أيضاً

دور المعلم في عصر الانترنت والتعلم عن بعد

• دور المعلم قبل عصر الانترنت والتعلم عن بعد • المعلم وعصر الانترنت والتعليم عن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *