أدوية لتقوية الذاكرة ومعالجة ضعفها

يتوجه كثير من كبار السن في الولايات المتحدة الأميركية بشكل دوري إلى المركز الطبي في جامعة نيويورك، لممارسة الرياضة العقلية، وهذه الرياضة عبارة عن سلسلة من الالعاب الفكرية التي تحافظ على ذاكرة قوية.

ومن المعروف ان الانسان في سن 25 تكون ذاكرته في ذروتها، الا انها بعد ذلك تبدأ بالهبوط تدريجيا، وهو امر يجهله الكثيرون.

ثوماس كروك، الطبيب النفسي المتخصص في اختبارات الذاكرة والذي اشرف على دراسة علمية شملت الاف الاشخاص يقول : انه مابين سن 25 الى 75 عاما، تختفي ثلثي قدرة الذاكرة على حفظ الاسماء، وانه من السهل على صغار السن تذكر من 10- 14 اسما، ولكن مع مرور الزمن يتقلص هذا العدد الى 1 او 2.

ويعتقد د. كروك وهو احد العلماء الرواد في هذا المجال ان الذاكرة تغيب ليس فقط لاننا نتقدم بالعمر، ولكنها مشكلة ويجب علاجها. ويشير الى اننا نقوم بعلاج كل مشكلة تطرأ على الجسم بسبب التقدم بالعمر ما عدا مشاكل الدماغ.

فأعيننا عندما تبدأ بالضعف نضع عليها النظارات وعندما تضعف عظامنا نتناول الكالسيوم وعندما يشيب الشعر يوجد مئات من المستحضرات الطبية التي بامكانها حل هذه المشكلة، وحتى تجعد الجلد يمكن بعمليات التجميل اعادة النعومة اليه، ولكن عندما يتعلق الامر بفقدان الذاكرة يمكن للانسان ان ينسى موضوع الحصول على مساعدة حقيقية.

ويقول د. تيم تولي الباحث في مجال الذاكرة في مختبرات سبرنج هاربر انّ الألعاب الفكرية تلعب دورا كبيرا بفقدان الذاكرة الا ان العلاج يمكن ان يكون بأخذ حبة دواء، لأن الدماغ عضو بيولوجي واذا عرفنا كيفية عمله فمن المحتمل ان نكون قادرين على تحسين أدائه عندما يبدأ بفقدان قدراته، وقد عمل توللي على تطوير دواء أدى الى نتائج واعدة عند تجربته على الفئران، وهو يأمل البدء بتجربة الدواء على الانسان في القريب العاجل.

دي ستيفن فيريس، المدير التنفيذي لمركز ابحاث التقدم بالعمر التابع لكلية الطب جامعة نيويورك يقول :

ربما سيصبح بإمكان الناس في مختلف الأعمار تناول حبة دواء لزيادة قدرة الدماغ على التعلم اكثر واسرع وعلى الاحتفاظ بالذاكرة لفترة اطول، والتوصل الى هذا العلاج لم يعد مستحيلا، فقد تعلم العلماء الكثير عن عمل الدماغ البشري وطريقته في التعلم وحفظ الاشياء، لذلك لم يعد الموضوع يتعلق فقط باصلاح خطأ ومعالجة المشكلات الناتجة عن التقدم في السن كالمشكلات في العينين والجلد والعظام، فلماذا يختلف الدماغ عنها.

ويضيف د. فيريس اننا على بعد خطوة واحدة من اصلاح الذاكرة السيئة المرتبطة بالعمر، وليس المقصود هنا ذلك المتعلق بنسيان المواعيد ونسيان تناول الدواء وما شابه، فالحديث هنا يشمل حتى كبار السن الذين يعانون من عدم القدرة على تمييز الأصدقاء او أفراد العائلة.

حالات فقدان الذاكرة تتراوح من بسيطة الى متوسطة الى معقدة، أي من البدء بفقدان كلمة ما الى فقدان كم هائل من المعلومات، لذلك يعمل العلماء حاليا على تطوير عقار يعمل على تحسين الذاكرة حتى الطبيعية منها بحبة دواء بغض النظر عن العمر.

وفي هذا يقول د. ثوماس كروك انه ولمدة عشر سنوات أجرى تجارب كثيرة بهدف تطوير دواء يمكن الانسان من مواجهة أي معضلة تعليمية او فكرية، ومن ناحية اخرى يشير الدكتور راندال كاربنتر الرئيس التنفيذي لشركة دواء في بروفيدنس الى ان الشركة تقوم بفحص دواء يمكن أن يساعد في انتقال المعلومات من الذاكرة قصيرة الامد الى الذاكرة طويلة الامد، وعند ثبوت نجاح هذا الدواء سيتم تسويقه.

معظم الادوية التي يتم تطويرها حاليا تستهدف الدماغ مباشرة، والمرشحين لإجراء التجارب عليهم هم الاشخاص الذين يعانون من اسوأ حالات فقدان الذاكرة، مثل مرضى الزهايمر، حيث ان هذه الادوية تساعد المرضى على التذكر والاحتفاظ بالمعلومات الجديدة وذلك بتحفيز افراز مادة كيميائية تدعى استيل كولين وهي احدى النواقل العصبية التي تنقل المعلومات من خلية الى اخرى داخل الدماغ، ويشار الى ان مرض الزهايمر يعمل على تأخير انتقال هذه المواد الكيميائية بين الخلايا، كما ان للتقدم في السن التاثير نفسه عليها.

يعمل الدماغ على تخزين كم هائل من المعلومات في كل ثانية، ويجب عليه في الوقت نفسه ان يقرر أي اجزاء من هذه المعلومات جديرة بالتذكر، ويقول الباحثون ان المعلومات التي تخزن كذاكرة طويلة الامد تكون متزامنة مع تجارب عاطفية، لذلك يمكن استرجاع هذه الذكريات بسرعة وقوة فمثلا كثير ممن اعمارهم فوق 45 عاما يتذكرون بوضوح يوم اغتيال الرئيس جون كنيدي.

الدكتور تيم توللي قلق من ان الادوية المحفزة للذاكرة يمكن ان ينتج عنها تخزين كم كبير من المعلومات، ويقول : اننا ربما ننسى الامور لسبب معين فهل نحن نريد فعلا ان نتذكر كل شيء حدث في يوم واحد، بالتأكيد لا.

فريق علمي من جامعة ييل توصل مؤخرا الى ان بعض الادوية التي تعمل على تحسين الذاكرة تعمل كذلك على تحطيم الجزء المرتبط بالذاكرة قصيرة الامد.

الجسم يهرم وكذلك الدماغ، وتبدأ علامات الشيخوخة في بداية الثلاثينات وتزيد الحالة سوءا مع كل عقد من العمر، ولكن التأثير الاسوأ يتمثل في ضعف القدرة على التذكر وعلى تعلم اشياء جديدة، ومع ذلك، كما يقول د. فيريس، فان القدرة على التعلم والتذكر لا تتوقف ولكن يجب علينا البحث في كيفية تقوية عمليات التواصل بين الخلايا الدماغية، وبعد تجربة الجيل الأول من الأدوية التي تعمل على محاربة الزهايمر فسيتم العمل على إيجاد العلاج لشيخوخة الدماغ.

في المراحل الأولى للإصابة بمرض الزهايمر يكون لدى المرضى ذاكرة كاملة طبيعية، أي ان بامكانهم تذكر الاحداث لفترات قصيرة، الا انهم يواجهون مشكلة الاحتفاظ بالمعلومات، فلديهم مشكلة في تخزين المعلومات الجديدة، واليوم أصبح بامكان العلماء اعادة هذه العملية والمساعدة في تخزين المعلومات، وعلى وقف فقدان الذاكرة لدى مرضى الزهايمر والعمل كذلك على معالجة مشاكل الذاكرة التي فقدت بسبب امراض او احداث مؤلمة في حياة الشخص.

وفي دراسة حديثة قام بها د. جيروم يوسيفاج من جامعة ستاندرد في كاليفورنيا، أكدت نتائجها مدى فعالية دواء قام بتجربته على 18 طيار في الأربعين من عمرهم، ففي الدراسة تلقى الطيارون معلومات معقدة خلال سبع رحلات طيران، وأعطي نصفهم دواء لتنشيط الذاكرة فلوحظ ان هؤلاء أدوا مهمتهم بشكل أفضل وهذا يعني أن دواء الذاكرة لعب دورا في التذكر، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة الأكاديمية الأميركية للأعصاب.

يعمل د. توللي حاليا على تطوير دواء في مختبراته أثبت في التجارب على الفئران والكلاب فعالية كبيرة بحيث ان أداء الحيوانات الكبيرة في السن شابه كثيرا اداء الحيوانات الأصغر سنا، وستبدأ التجارب على الإنسان في المستقبل، وقد ساعد هذا الدواء كذلك على شفاء حالات من التخلف العقلي لدى الفئران ناتجة عن اعراض مرض روبنتاين تايبي الذي يصيب طفلا واحدا من بين كل ألف125 حالة ولادة جديدة، ويؤكد د. تولي أن هؤلاء الأطفال يعانون من التخلف بسبب وجود خلل في مركز الذاكرة في الدماغ، وبمساعدة الادوية يمكن إصلاح هذا الخلل وقد اعتقد العلماء دائما أن التخلف العقلي يكون في تقدم مستمر وهو دائم اما الآن فبإمكانهم إثبات أن هذه العملية يمكن وقفها أو عكسها

إيمان شعبان خوري

عن فريق التحرير

يشرف على موقع آفاق علمية وتربوية فريق من الكتاب والإعلاميين والمثقفين

شاهد أيضاً

زيت الزيتون وفوائده الصحية ودوره في حماية القلب ومكافحة الأمراض

يُعدُّ زيت الزيتون من أبرز المكونات الغذائية التي تشتهر بها منطقة الشرق الأوسط، ويحتل مكانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *