أهمية المنهج التجريبي في البحوث التربوية والعلمية

يعدَّ البحث التجريبيُّ أفضل طريقة لبحث المشكلات التربويَّة، وفي هذا النوع من البحوث يجري تغيير عامل أو أكثر من العوامل ذات العلاقة بموضوع الدراسة بشكلٍ منتظم من أجل تحديد الأثر الناتج عن هذا التغيير، فالباحثُ يحاول إعادة بناء الواقع في موقف تجريبيٍّ يدخل عليه تغييراً أساسيّاً بشكل متعمَّد، ويتضمَّن التغيير في هذا الواقع عادة ضبط جميع المتغيِّرات التي تؤثِّر في موضوع الدراسة باستثناء متغيِّر واحد محدَّد تجري دراسة أثره في هذه الظروف الجديدة.

ففي هذه البحوث التجريبيَّة يقوم الباحثُ بدور فاعل في الموقف البحثيِّ يتمثَّل في إجراء تغيير مقصود في هذا الموقف وفق شروط محدَّدة، ومن ثَمَّ ملاحظة التغيير الذي ينتج عن هذه الشروط، فإذا رغب باحثٌ ما في تحديد أثر ظرف تعليميٍّ جديد مثل استخدام طريقة تعليميَّة جديدة في تعليم الطلاَّب المهارات الجغرافيَّة التطبيقيَّة، فإنَّ الطريقة التعليميَّة الجديدة التي يجري تقويمها تسمَّى بالمتغيِّر المستقل والمحكُّ الذي يستخدم لتقويم هذا المتغيِّر هو نتائج الطلبة على اختبار أو مقياس لمهارات معيَّنة ويسمَّى بالمتغيِّر التابع، ففي أي تصميم تجريبيٍّ توجد علاقةٌ مباشرة بين المتغيِّرات المستقلَّة والمتغيِّرات التابعة بحيث يسمح التصميم للباحث الافتراض بأنَّ أيَّ تغيير يحصل في المتغيِّر التابع أثناء التجربة يعزى إلى المتغيِّر المستقل.

وحيث أنَّه من المستحيل الوصول إلى التصميم التجريبيِّ المثاليِّ في البحث التربويِّ؛ إذْ يوجد باستمرار العديد من المتغيِّرات العرضيَّة المتدخِّلة التي تمارس دورها في التجربة بحيث تؤثِّر في نتائجها، فالقدرة العقليَّة والدافعيَّة عند الطلاَّب يمكن أن تنتج أثراً ملموساً وغير مرغوب فيه في المتغيِّر التابع فإنَّه بدون ضبط كافٍ لأثر المتغيِّرات المتدخِّلة لا يستطيع الباحث أن يؤكِّد ما إذا كان المتغيِّر المستقل أم المتغيِّرات المتدخِّلة هي المسؤولة عن التغيُّر في المتغيِّر التابع، والطريقة الوحيدة لإبقاء جميع العوامل ثابتة ما عدا المتغيِّر التابع الذي يسمح له بالتغيُّر استجابة لتأثير المتغيِّر المستقلِّ هي إيجاد مجموعتين متماثلتين في التجربة تخضع إحداهما لتأثير المتغيِّر المستقلِّ أو العامل التجريبيِّ موضوع الدراسة، بينما لا تخضع المجموعة الثانية لمثل هذا التأثير، وتكون المجموعتان متماثلتين في بداية التجربة وتخضعان لنفس الظروف تماماً ما عدا تأثير المتغيِّر المستقلِّ.

المجموعة الضابطة والمجموعة التجريبيَّة

يعدُّ ضبط المتغيِّرات من الإجراءات المهمَّة في البحث التجريبيِّ؛ وذلك لتوفير درجة مقبولة من الصدق الداخليِّ للتصميم التجريبيِّ؛ بمعنى أن يتمكَّن الباحث من عزو معظم التباين في المتغيِّر التابع إلى المتغيِّر المستقلِّ وليس إلى متغيِّراتٍ أخرى وبالتالي تقليل تباين الخطأ، ولذلك تتميَّز البحوث التجريبيَّة على غيرها من البحوث في الثقة التي يمكن توافرها في تفسير العلاقة بين المتغيِّرات وخاصَّة العلاقات السببيَّة التي تصعبُ دراستها بغير التجربة الحقيقيَّة.

ولضبط أثر المتغيِّرات الغريبة أو الدخيلة جاءت فكرةُ اختيار مجموعة مكافئة للمجموعة التجريبيَّة (مجموعة الدراسة) تسمَّى تلك المجموعة المكافئة بالمجموعة الضابطة أو بمجموعة المقارنة؛ حيث يسعى الباحث جاهداً إلى عمل كلِّ ما بوسعه أن يعملَه من أجل أن يهيئ ظروفاً متكافئـة لكلٍّ من المجموعتين، سواء أكان ذلك عند اختيارهما أم كان عند تنفيذ التجربة حتى يكون الفرقُ الأساسيُّ بين المجموعتين مصدره المتغيِّر المستقل في الدراسة، وعموماً هناك عوامل مؤثِّرة في الصدق الداخليِّ للتجربة تتصل بتاريخها وبنضجها وبموقف اختبارها وبنوعيَّة الأداة، وبالانحدار الإحصائيِّ، وبالاختبار، وبالإهدار، وبتفاعل النضج مع الاختبار، وهناك عوامل مؤثِّرة في الصدق الخارجيِّ للتجربة كتفاعل الاختبار مع المعاملة، وتفاعل الاختيار مع المعاملة، وتفاعل الظروف التجريبيَّة مع المعاملة، وتداخل المواقف التجريبيَّة، وهناك أنواع للتصاميم التجريبيَّة منها تصميم المحاولة الواحدة، وتصميم قبلي – بعدي لمجموعة واحدة، وتصميم المقارنة المثبَّت، وتلك العوامل وهذه التصاميم هي ممَّا يجب على الباحث في البحث التجريبِّي الإلمام بها إلماماً جيِّداً ومصادر أساسيَّات البحث العلميِّ تشرح ذلك بتوسُّعات مناسبة.


وعموماً ففي الدراسات التي تتَّخذ الطريقة التجريبيَّة منهجاً لا بدَّ أن يسأل الباحثُ نفسه دائماً الأسئلةَ الثلاثة الآتية:

1) هل التصميم الذي وضعه يساعد على اختبار فرضيَّاته؟
2) هل استطاع ضبط جميع العوامل الأخرى المؤثِّرة في تجربته؟
3) هل يمكن إعادة التجربة من قبل باحث آخر؟

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

استراتيجية التفكير الناقد وأهميتها في العملية التعليمية

استراتيجية التفكير الناقد هي مهارة معرفية تتضمن القدرة على تحليل المعلومات، وتقييم المواقف، واتخاذ قرارات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *