العالم يتجه للسماح بنوم الموظفين لفترة قصيرة واخذ غفوة في الدوام

الحفلات التي تستمر طوال الليل والتسوق على مدار ساعات اليوم، والرحلات الجوية الطويلة التي تمر في مناطق توقيت عدة في العالم، جميعها مظاهر للحياة المعاصرة التي تؤثر في الساعة البيولوجية للإنسان، وهي الالية الحيوية التي تنظم نشاطات جسم الانسان اليومية.

هذه المظاهر التي ترهق الجسم، وتسبب له مشكلات عدة متنوعة، تأتي نتيجة ذلك الصراع الرئيسي بين متطلبات الحضارة المعاصرة وما اعتاد دماغ الانسان عليه عبر ملايين السنين. ويفسر ذلك اختصاصي النوم د. کلودیو ستامبی من معهد بحوث بيولوجيا الزمن في بوسطن / الولايات المتحدة، اذ يقول ان الساعة البيولوجية تنظم فترات النوم واليقظة عند الانسان، وهذه الساعة متسقة بشكل رائع مع ايقاع الليل والنهار، ومع ذلك الزمن في عمر البشرية الذي كان فيه الانسان يعتمد على الصيد في النهار والنوم في الليل، ولم يكن يتنقل فيه لأكثر من كيلومترات قليلة في اليوم من شروق الشمس إلى غروبها.

وعلى النقيض من ذلك، فإننا اليوم نعمل ونسافر بالطائرات النفاثة إلى الجانب الآخر من العالم، ونتخذ قرارات حاسمة في مختلف ساعات النهار والليل. وتجاهل هذا التناقض بين ايقاع الساعة البيولوجية وواقع متطلبات الحياة المعاصرة يسبب عادة مشكلات عدة للإنسان، ويتضح هذا من تلك الكوارث المروعة التي يعيشها الانسان من حين لآخر، والمرتبطة بحرمان النوم المتسبب عن العمل لساعات طويلة مرهقة او في اوقات غير مناسبة، ومن ذلك كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي التي حدثت في الساعة الواحدة و23 دقيقة صباحا، وكارثة ابوللو 13 التي حدثت الساعة الثالثة وثمانية دقائق صباحا.

وتشير الإحصاءات ان اكثر من 20% من القوى العاملة في البلدان الصناعية تعمل في ساعات الليل او في ورديات تتناوب بين ساعات النهار والليل وان معظم الأخطاء في المستشفيات والمراكز الطبية تحدث في اثناء مناوبات الليل، كما تشير الى أن معظم حوادث السير في بريطانيا مثلا تقع في حوالي الساعة الثانية صباحا، وان حالات الارهاق او النوم اثناء قيادة السيارة تتسبب بنحو 200 الف حادث سير سنوية في الولايات المتحدة.

ويعتقد خبراء النوم الان ان الانسان الذي يفرض عليه واقع حياته الحرمان من النوم يمكن أن يعود لنشاطه اليومي الكامل، الجسمي والذهني، باعتیاد اخذ غفوات قصيرة خلال اليوم بدل أن يجبر نفسة على النوم في الليل خلال الساعات القليلة المتاحة.

ويشيرون في ذلك إلى حقيقة أن العديد من المفكرين في التاريخ كانوا من المعتادين على النوم لفترات قصيرة عدة في اليوم، ومنهم ونستون تشرشل والبرت اينشتاين وتوماس ادیسون.

علماء الانسان بدورهم درسوا نماذج متبقية من صيادي العصور الأولى، والمتمثلة بقبائل تمیارز وابانز في ماليزيا، فوجدوا انهم يتبعون نظام الغفوات في يومهم، اذ ان 25% تقريبا من البالغين في هذه القبائل يمكنهم الاستيقاظ في اي ساعة من الليل، معتمدين على اكساب اجسامهم الراحة الضرورية بأخذ غفوات عدة خلال النهار.

من الناحية الفسيولوجية يقول المختصون أن الانسان متكيف مع نموذج النوم متعدد الفترات، وكما هو معروف فان الانسان في نومه يمر في مرحلتين: تتصف احداهما بحدوث حركات سريعة في العينين، وبنشاط كبير في الدماغ، وفيها تحدث الأحلام. وتتتابع هاتين المرحلتين وبمعدل 90 دقيقة في المرة الواحدة، لخمس او ست مرات في الليلة الواحدة وذلك في حالة النوم التقليدي المتواصل الذي يستمر بين 7 – 9 ساعات والذي يضمن بقاء الانسان يقظا لمدة 16 ساعة في اليوم.

ويعتقد العلماء أن الإنسان من الناحية التطورية بدأ حياته على سطح الأرض بنوم متعدد الفترات. وان التغير حصل عنده عندما طور دماغه قدرات عقلية كبيرة. اذ تتطلب هذه القدرات عادة فترات ممتدة من اليقظة الكاملة، ولا يمكن توفر هذه الفترات الا إذا كان يقابلها فترات ممتدة ايضا من النوم غير المتقطع. وحيث ان الانسان يتصف بحاسة ابصار ضعيفة نسبيا ورؤية ليلية ضعيفة، كان من المنطقي أن تكون فترة النوم الممتدة خلال ساعات الظلام، ويقول العلماء ان انتقال الانسان الى نمط النوم الممتد في الليل أصبح منسجمة مع واقع المجتمع المعاصر، الذي أصبح منظمة أكثر من حيث تقسيم العمل وتوفر الطعام وقلة التعرض للأخطار مقارنة بواقع مجتمع الانسان البدائي.

هذا ويقترح د. ستامبي انه يمكن للأشخاص الذين يعانون من حرمان النوم اخذ غفوات قصيرة لمدة 20 دقيقة في المرة الواحدة مما يجدد من نشاطهم الجسمي والعقلي.

مصدر الصورة
pixabay.com

عن المهندس أمجد قاسم

كاتب علمي متخصص في الشؤون العلمية عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين

شاهد أيضاً

نصائح غذائية في عيد الفطر المبارك

خلال شهر رمضان، اتبع الصائمون نمطا غذائيا يختلف تمام عن نمطهم الغذائي خلال الأيام العادية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *